السؤال: هل يمكن أن تشرحوا لنا كيف نحافظ على جيلنا ضدّ عمَليات التخريب التي تقوم بها الجهة المعادية؟
الجواب: منذ عهد آدم عليه السلام وحتى اليوم اختار الكفر طريق التخريب والهدم، واختار أصحاب الإيمان طريق البناء والتعمير. واليوم يجري الشيء نفسه، لذا نرى مفكر العصر الأستاذ النورسي رحمه الله الذي أحس هذا في أعماق قلبه يقول: “لو كان هناك توازن بين هاتين القوّتين، ولو كانتا تملكان الإمكانيات نفسها لسجلت جبهتنا فتوحات كبيرة”.
لا تقوم الجبهة المعادية إلا بعمليات التخريب، إذ تقوم باستغلال مشاعر الإنسان وغرائزه لجره وإسقاطه في شباك الشهوة، وتثير فيه الرغبات لتجعله أسيراً وعبداً لحياة مادّية بَحْتة، وتزيّن له المنصب والجاه وتجعله هدَفاً للحياة. وهكذا تقوم بعمليات هدم وتخريب واسعة بوسائل بسيطة، فتغوي أجيالاً من الشباب. ولو كانت الأمور تجري بهذه البساطة في جبهتنا لتمّتْ أعمال باهرة بعد كل هذه الجهود المبذولة، مع أننا نقوم بإعادة بناء وبعملية تعمير لقلعة كبيرة جدّاً تهدّمت جدرانُها وحصونها منذ قرون عديدة.
فكِّروا معي، لقد اهتزت قواعد التوحيد في هذا البلد وفي بعض البلدان الإسلامية الأخرى، وظهر الكفر بالله وإنكاره، وهُوجِم الرسول صلى الله عليه وسلم واستُهين بالدين، ونُبذ القرآن الكريم جانباً مع كونه مصدر النور والحق، مع أن العديد من غير المسلمين اضطروا إلى الاعتراف بأنه كتاب معجِز. بل فقدَ الدين حتى عند بعض المتدينين أولويتَه وثقله، وأصبح الوضع بائساً بكل معنى الكلمة. في مثل هذا العهد تكثر الواجبات، كما تكثر قيمة تلك الواجبات وأهميتها. الجبهة المعادية تقوم بسحب حجر واحد أو لبِنة واحدة، وهذا يكفي لكي يسقط بناء كامل وينهدم. بينما نقوم نحن بإنشاء بناء لبنة لبنة وحجراً حجراً، كما نقوم بحراسة الجزء المشيد من البناية. ولكن يجب علينا أن نذكر أيضاً أننا نشاهد في عملنا هذا يد العناية الربانية. وهذه الأسطر تذكّرني بإحدى ذكريات العالم “باسْكال”.
لقد كان إنسان وَجد وعِشق، ولكنه لم يكن محظوظاً. يقول أحد مفكرينا عنه إنه أضاع فرصة الركوب على الباخرة الأخيرة ولم يستطع اللحاق بها. لقد اقترب من ميناء محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يستطع رمي نفسه في أحضان ذلك النور. هذا موضوع آخر، وما أريده هنا هو إيراد إحدى ذكرياته لإيضاح مسألة متعلّقة بنا. يقول باسكال “كنتُ راكباً عرَبة يجرّها حصانان. وكانت العربة تسير بمحاذاة نهر السين، وفجأة فقدت السيطرة على الحصانين، فبدآ بالعدْو نحو النهر بجنون.. لم يكن هناك أي أمل في النجاة، إذ كان مقدراً لي أن أنقذف في النهر. ولكن حدث شيء غير متوقع، إذ انقطعت الصلة بين الحصانين وبين العربة وسقط الحصانان في النهر. أما أنا فقد تم إنقاذي بيَدَين نورانيتَين حيث بقيت أنا والعربة على حافة النهر”.
بتأثير هذه الحادثة عاش باسكال حياته الباقية في أحد الأدْيرة. وبعد أن قضى حياته حتى ذلك الحين في لهو ومجون، قضى بقية حياته في الدير كراهب متأملاً ومفكراً. أما نحن فقد رأينا هذه الأيدي النورانية، وأيدي الرعاية، مئات المرات في الحوادث التي جرت معنا، وليست مرة واحدة كما حدث لباسكال. لذا فإننا نحمد الله تعالى حمداً لا نهاية له على نعمه ورعايته.
وبينما يقوم الطرف المعادي بتخريب الشباب بأفلامه ومسرحياته وخماراته وبأماكن الرقص، فإننا نرشد الشباب ونطلب منهم أشياء صعبة كما تبدو في الظاهر، إذ نقول لهم “صلّوا وصوموا وسَيطروا على أنفسكم ونـزواتها، لا تعيشوا لأنفسكم، بل ضحّوا أنفسكم وعيشوا من أجل الأجيال القادمة”. ومع كل هذه المطالب الصعبة ظاهرياًّ نرى إقبال آلاف الشباب علينا، وقيامهم بالتمسك بمبادئ الإسلام. لقد قلنا قبل سنوات بأن التفكك والانهدام سيكون مصير الاتحاد السوفيتي والصين. لقد أصبح هذا من المعلومات الاعتيادية الآن. ومسائل عديدة قيلت في الأمس ولم يفهمها أحد حق الفهم ونراها الآن متحققة. فهناك تبدلات وتغيرات مهمة جدّاً نشاهدها في المنطقة المجاورة.
لقد بدأت الإنسانية تذوب أمام الدين كذوبان الثلج أمام أشعّة الشمس. وبدأت جبهة الكفر تفقد مواقعها في الأماكن المرتفعة وتنحدر إلى أسفل. أما جبهتنا وصفّنا فهو يتسلق بسرعة إلى الأعلى. وفي ربع القرن القادم ستتغير أمور كثيرة وسيأخذ العالم الإسلامي موقعه اللائق به بين الأمم إن شاء الله تعالى. لقد بدأ الكفر بفقد مواقعه وسيطرته، وبدأنا نحن بتنظيم صفوفنا وبأخذ المبادرة.
علينا أن نقوم بما يجب علينا القيام به. أما حفظ أجيال الشباب فهو شأن من شؤونه تعالى. ونحن نأمل من رحمته الواسعة أن يصون هذا الجيل الناشئ الذي ظهر ونشأ نتيجة جهود وآلام ومعاناة كبيرة، وألاّ يدَع الأفراخَ الصغيرة فريسة للوحوش. ولو لم تمتدّ يد عنايته ورحمته لَما كان هذا بمقدورنا. أجل لقد وهب سبحانه وتعالى لنا إحسانا ولطفاً، وساقنا إلى مجالات لا نعرفها. وبعد مدة أدركنا أنه كان من الواجب علينا الدخول إلى تلك الساحة. ونحن ندعو الله تعالى أن يديم لنا عنايته ومعونته حتى إنجاز هذا العمل كاملاً غير منقوص، إنه على كل شيء قدير.