الأسرة ليست كما يفهم بعض الكتّاب مصنعًا لتوليد الأطفال، وليست آلة للتفريخ أو لإشباع الرغبات الجسمانية، إنما هي النواة الأولى للأمة وأهم جزء في المجتمع، وهي مؤسسة مقدَّسة أبرز معالمها النكاح، والنكاح ميثاقٌ له هدف وغاية؛ وهو يعني اقتران اثنين بعقدٍ مشروع في إطار مبادئ معينة، أما الاقتران الذي تنعدم فيه قواعد النكاح فهو سفاح وزِنًا في شرع الله عز وجل.
والدينُ يجعل الاقتران المشروع بالنكاح ركنًا وأساسًا وقاعدة للأمة الصالحة، بل إن الاقترانات المشروعة مرهونةٌ بغاية معينة، فحري بالمسلم أن يكون بالغَ الدّقة في مسألة الزواج؛ لأن الزواج العشوائي الذي يخلو من المقصد والهدف يُقوِّض الضوابط المشروعة.
أجل، لا بدّ أن يهدف الزواج إلى تنشئة جيلٍ يرتضيه الله تعالى، ويسعد به الرسول الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه.
أما إذا كان الزواج يفقد الغاية والهدف فهو ممحوقُ البركة، شأنه كشأن الأعمال التي تخلو من النية، وأيّ اقترانٍ يشبه الزواج، ويخلو من الغاية ولا يحاط بسياج من الإيمان ولا يكترث إلا بالمظهر الخارجي فقط فكثيرًا ما ينتهي بعدم التوافق وصعوبة التعايش فضلًا عن انعدام البعد الأخروي، وخاصة إن اقترن اثنان أحدُهما مؤمن والآخر لا يؤمن بالله ولا بالقرآن ولا بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلا مناص من وقوع خلافات فكرية ودينية، وظهور أفكار متناقضة من حيث الإيمان وعدمه، وتناقضات لا يمكن التخلص منها.
والزواج الهادف هو الذي يقوم على العقل والمنطق إلى جانب الحسّ والعاطفة، فإن ارتبط الزواج بغاية وهدف عمّت الأسرةَ الطمأنينةُ والسكينة، أما إن لم يراع الهدف في الزواج فلا جرم أن النتيجة هي وقوع الكثير من المشاكل، وسيادةُ القلقِ والاضطرابِ الدائمِ على أفراد الأسرة.
لقد شرع الله الزواج وحثّ عليه، وربطه في الوقت ذاته بالهدف والغاية، في الواقع، لا بدّ أن يتّخذ الإنسانُ غايةً له في كل أموره وسلوكياته؛ حتى يصمد في أعماله ومشروعاته في سبيل الوصول إلى الهدف الذي ينشده، وإن لم يتخذ غاية لحياته لم يستطع أن ينظّم وقته، أو يصل إلى أي هدفٍ ألبتة، وإن شئتم فسمُّوا هذا منهجًا أو مبدأً أو غائيّة.
والحق أننا إن لم نتشبث بالغاية في سلوكياتنا وأفعالنا لضيّعنا قدرًا كبيرا من حظّنا في النجاح.
المصدر: فتح الله كولن، من البذرة إلى الثمرة، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة.