نلاحظ أن البسملة تتجلّى في كلِّ مكان، لأنها تحتوي على لفظِ الجلالة “الله” تلك الكلمة التي تتضمَّن كلَّ الأسماء الإلهيّة الحسنى.
إن كلَّ الحقائق التي يتولَّى القرآنُ شرْحَها وبيانها مندرجةٌ بشكلٍ مختصرٍ في البسملة، ومن المؤكد أن لهذا انعكاسًا على قوَّة تأثيرِ البسملة؛ وهذا يوضِّحُ سرَّ قول الرسول: “كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِـ”بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ” أَقْطَعُ”[4]، وفي رواية: “أَبْتَرُ” وفي أخرى: “أَجْذَمُ”، وكل هذه الألفاظ متقاربةُ المعاني، وهي في مجملها تعني أن كلَّ الأعمال التي لا يُبدأ فيها باسم الله فهي ممحوقةُ البركةِ قصيرةُ العمرِ مبتورةُ الجذورِ ناقصةُ الثمرِ.
البسملة هي بمثابة المفتاح لكلِّ شيء في الحياة
والقرآن يتناول أربع حقائق كبرى، وهي: التوحيد والنبوّة والحشر والعدل، والبسمَلَةُ تتضمَّنُ هذه الأمور الأربعة بشكلٍ مجملٍ؛ فالاسمُ الأوّلُ فيها وهو لفظُ الجلالة “الله” متوجِّهٌ بشكلٍ صريحٍ نحو التوحيد، والثاني وهو “الرحمنُ” يدلُّ على النبوَّة، والثالثُ والأخيرُ فيها هو “الرحيمُ” وهو يُعَبِّر عن الحشرِ والعَدْلِ.
والبسملةُ موجودةٌ في بدايةِ كلِّ سورةٍ من سُوَرِ القرآنِ إلا سورة “براءة”، ويجب -بالإجماع- على كل من ينسخ المصحف أن يكتبها في بداية السور، وإذا تركها يكون قد ارتكب إثمًا.
وفي قراءة البسملة في الصلاة قبل الفاتحة اختلافٌ بين فقهاء الأمة، فعند بعضهم واجب، وعند بعضٍ منهم سنة، وعند البعض مندوب، في حين أن قسمًا منهم يرونها مكروهًا.
ومن العلماء مَن عَدَّ البسملةَ آيةً برأسِها، ولم يعدّها آخرون آيةً قائمةً برأسِها وإنما هي أُنزِلت للتبرُّكِ والفصلِ بين السور إلا التي في سورة النمل.
والبسملة هي بمثابة المفتاح لكلِّ شيء في الحياة، كما أنها بمنزلةِ المفتاح للسُّوَرِ القرآنيَّة، فالبسملة في بداية السورة؛ -سواء كُتبت للفصل بين السور، أو للتبرك والاستعانة بالله تعالى على فهم السورة والعمل بمقتضاها، أو لأيِّ غرض آخر- هي حبلٌ نورانيٌّ دُلِّـيَ من العرش الأعظم إلى قلب الإنسان؛ فالذين يدركون المعاني السامية لـ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ويستفيدون من فيوضاتها، يستطيعون الاستمساك بها والارتقاءَ إلى عرش “الإنسانية”.
القرآن يتناول أربع حقائق كبرى، وهي: التوحيد والنبوّة والحشر والعدل، والبسمَلَةُ تتضمَّنُ هذه الأمور الأربعة بشكلٍ مجملٍ
إن الله تعالى شَرَحَ وبيَّن في الكتب التي أنزلَها كلَّ الحقائق الموجودة في الكون، حيث إنه عبَّر عن هذه الحقائق الكبرى على شكلِ معانٍ في صدور الأنبياء الذين يمتلكونَ قلوبًا مؤهَّلةً لِتَجلِّي تلك الحقائق وبروزِها، وأَعرَب عنها في صورةِ حروفٍ وكلمات على ألسنتهم، وقد فصَّلَ القرآنُ الكريم خاتمُ الكتب كلَّ ما سبقَ إجمالُه في الكتب والصحفِ والألواحِ المقدّسة السابقةِ، والقرآنُ الكريمُ هذا بتمامِهِ تتضمَّنه سورةُ الفاتحة، كما أن الفاتحة ملخَّصَةٌ في البسملة، فالبسملة خطٌّ نورانيٌّ يربطُ بين كلِّ الأنبياء والكتب، وكلُّ الحقائق الموجودة في الكون موجودة -لا محالة- في البسملةِ على شكل نواة، ولكن لا يوفَّق كلُّ أحدٍ للعثور عليها واستخراجها.