إن الحقَّ يَصِفُ الشيطانَ بـ”الرَّجِيمِ” أي المطرود من باب الحضرة الإلهية، ومن هذا التعبير نفهمُ أنه في سابق عهدِهِ كان من المقرَّبين إلى الحضرة الإلهية ومن المطيعين، لأنه لو لم يكن مقبولًا لدى الحضرة الإلهيّة قبلَ ذلكَ لما كان يُتصوَّرُ كونه من المطرودين، والشيطانُ راحَ ضحيةَ كبرِهِ وغرورِهِ، فأدَّى عصيانُه وتمرُّدُه إلى رَجْمه، فطُرِد من الجنة التي أعدَّها الله لعبادِهِ المؤمنين، أي إن اللهَ طَرَد الشيطانَ من الجنَّةِ حفاظًا على عبادِهِ وسلامتِهِم، ولكن يا تُرى هل نَقَّيْنَا قلوبَنا -التي هي مرآةُ الصمدانيّة- من شرِّ الشيطانِ وَرِجْسِه؟! فهذا هو لبُّ القضية وبيتُ القصيد، وإنّ الاستعاذةَ لَتُذَكِّرُنا بهذا على الدوام.
“اَلشَّيْطَان”: هذه الكلمة مُعَرَّفة بأداة التعريف، وذلك يعني أنه شيطانٌ معروفٌ ومعهودٌ، ذلك الشيطان الذي عادى آدم عليه السلام وما زال يعادِي ذرِّيَّـــــتَـــهُ إلى اليوم.
نعم، إن الشيطانَ في الماضي، بتلك السلطنة التي أسَّسها لِحِساب الكفرِ والإلحادِ، ولا يزال يفعل ذلك في الحال وسيواصل ذلك في المستقبلِ، وسيبقى إلى قيام الساعة يعملُ جاهِدًا لِتحقيق هذا الهدف، وفي كلِّ مرحلةٍ سيجدُ له من يمثِّلُون دعواه، ولن يألوَ جهدًا في سبيل هدمِ النظامِ الإلهيِّ، إنه عدوكم القديم، ذلك الشيطان الذي تَسبَّبَ في طردِ أبيكم من الجنة، فأنتم تعرفونه جيِّدًا، ولكن اعلَموا أنه سيحاول أن يفعلَ بكم مثلَ ما فعل بأبيكم، فَحَذَارِ من أن تغفُلوا عن ذلك فتتَّخِذُوهُ وليًّا، بل تَعوَّذوا بالله منه، وهذا المعنى على ما إذا كانت “أل” التعريف للعهد الخارجي، وأما إذا كان للجنسِ فيكون المعنى حينئذ: أعوذ بالله من شرِّ كلِّ شيطانٍ إنسيٍّ وجنّيٍّ؛ مِمَّن أَخرَج سيدَنا آدم من الجنة، ومَن أغوى قومَ سيدنا نوح، ومَن أطغى قومَ سيدنا هود، وشرِّ سائر الشياطين الذين هم وراء كلِّ ضلالة ورذيلة وشناعة في عصرنا هذا.
المصدر: فتح الله كولن، خواطر من وحي سورة الفاتحة،دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة.