إن تحقُّقَ ذلك مرهونٌ بالجَودة في نشأة الكوادر، وتجهيزِها الكامل ماديًّا ومعنويًّا، ونضوجِها العقلي والفكري والمنطقي، وامتلاكِها مكتسبات تمكّنها من قراءة الأوامر التشريعية والتكوينية قراءة صحيحة، وتقييمِها تقييمًا صحيحًا، ووضعِ كل شيء في موضعه المناسب.
يجب على تلك الكوادر أن يتمكنوا من قراءة الأوامر التكوينية وفقًا للرؤية التي قدمها لنا القرآن الكريم، وأن يربطوا كل شيء في الكون بخالقه؛ متحررين من الآراء الطبيعية والوضعية والمادية، متمكّنين من قراءة ما تعنيه هذه الأمور بحق صانعها وعند خالقها، أي إنه يجب أن تكون عوالمهم العقلية والقلبية منفتحة على ما وراء الطبيعة أيضًا بجانب الطبيعة؛ ذلك لأن قدرتهم على تحويل الأزمات التي تجري وتأتي من اليمين واليسار إلى حزمٍ وباقات من المعرفة والحكمة وتحقيقَهم ترقيات في مراتب اليقين، أمرٌ مرهون بهذا.
أسلوب التمثيل
إن إدراك أبطال الإصلاح للمشكلة في وضع كهذا، ومواصلتهم مساعيهم لإصلاحها بشكل يتوافق مع روح العصر، أمرٌ مهم للغاية. وبدايةً يجب عليهم أن يمثلوا الإسلام بوجهه المبشر والمشجع تمثيلاً كاملاً، وعليهم بعد ذلك أن يُوصِّلوا الحق والحقيقة إلى الصدور المحتاجة المتعطشة إليهما دون أن يُكرهوا أحدًا، ولا أن يُصعِّبوا الدين القائم على التيسير أساسًا، ولا أن يُنفروا الناس، ولا أن يُضحوا بالأصول لصالح المسائل المتعلقة بالفروع، وعليهم أن يقفوا بالدرجة الأولى على المسائل الأساسية المسماة بالضروريات والحاجيات على مستوى الأمة والإنسانية على حد سواء بدءًا من حياتنا العائلية، وألا يقع صراع على الفرعيات والتفاصيل.
إن ما يقع على كاهل المسلم باعتبار الأصل، هو أن يُطَبِّقَ بحساسية كاملة وتامة كافة المسائل الخاصة بالدين، بدءًا من السنن وصولاً إلى الآداب.. غير أنه يجب علينا أن نقدمها ونعرضها على الآخرين بأسلوب تيسيري وتبشيري موافقًا لوصايا سيدنا رسول الله ، يجب ألا نقصر قطعًا في الأصول، وألا نتشدد كثيرًا في المسائل الخاصة بالفروع، وألا ننفر الناس من الدين عبر التمسك بمثل هذه الأشياء، وألا نجعلهم يفرون من حولنا، بالعكس يجب أن نكون مبشرين وميسّرين ومُؤلفين ومُحبِّبين.
(*) جهود التجديد، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، ٢٠17، القاهرة. ترجمة: عبد الله محمد عنتر.