كما هو معلوم فهذه الآية تصف ما جرى عنـد معراج رسولنا ﷺ. وعلاوة على هذه الجهة من الآية، فهي تفتح الباب على حقائق أخرى خارج هذا الموضوع الخاص.
إن قيام الرسـول ﷺ بمشاهدة الأدلة الآفاقية والأنفسية حول وجود الله تعالى بعينيه، وقيامه بتقييم هـذه المشاهدة العينية بمشاهدة داخلية عميقة وبحدس يحيط بأبعادها الحقيقية نتيجة لطف من ألطاف الله. أجـل!… فمشاهدة هذا الإنسان العظيم يجب أن تكون مشاهدة كلية لأنه يملك نظراً كلياً. وبهذا الاعتبار يستطيع مشاهدة التجليات الإلهية دون مانع ولا حائل ولا ستار ولا عائق. والكلام الذي يقوله ويتفوه به مثل هذا الإنسان المالك لهذا الأفق الواسع الرحب لا يمكن لأي إنسان عادي أن يعارضه أو ينتقده. فلا شك أن نظر من يقف على الأرض ويتأمل السـماء، ليس مثل نظر الجالس في بيته ولا يستطيع مشاهدة أبعد من أنفه.
وسـواء أنظرنا إلى “الآية”و “الكبرى”هنا على أسـاس أنهما صفة وموصوف، أم عددنا “من”هنـا زائدة وعند ذلك يكون المعنى أنه شاهد آيات ربه الكبرى. إذن فهذا الرسول الجليل القدر في رحلته وراء الزمان والمكان رأى من معجزات ربه، ومن آياته الباهرة، ومن العجائب الموجودة وراء الأسـتار ما يجل عن الوصف، وتقابل مع العلامات العظمى وجها لوجه، وتسنت له مشاهدة آفاق لم يتسن لأحد مشاهدتها، وما كان بقدرة أي كلام أو بيان وصف التجليات الإلهية التي شاهدها وهو يتجول في المقامات والمراتب العليا. لقد أحس وحده في الآفاق التي تجول فيها بالأنوار والأسـرار، وهو الذي سمعها فقط. ولم يكن باستطاعة أحد غيره، ولا بمقدوره تحمل هذه المشاهدة الكلية الواسعة المتمثلة في الآية الكبرى. ولم تكن الآية الكبرى هو الله الأحد الصمد. أي أن ما رآه لم يكن ذات الله تعالى، بل آيته الكبرى. فالوجود كله من بدئه إلى منتهاه ليس إلا آيات دالات على الحق تعالى وإشارات إليه وتعبير عنه. وحسب آية ﴿لاَ تُدْرِكُهُ اْلأَبْصَارُ﴾ (الأنعام: 103) فلا يمكن الإحاطة بالله أو إدراكه فهو أمر ستحيل ولا يمكن الحديث عنه. ولكن رؤيته ممكنة. ولكن الآية تصرح بأن المُشاهَد لم يكن هو بل آيته الكبرى الميسرة لرسولنا صلىوسلما .
واستناداً إلى حقيقة كون الرسول ﷺ حبر كتاب الكون ونواة شجرة الخلق، ونور نوع الإنسان نستطيع أن نقول إن هذه الرؤية والمشاهدة كانت قراءة لكتاب حقيقته ومشاهدة لشجرة وغصن وأوراق وثمرة ماهيته المنكشفة؛ وإن مثل هذه السـياحة تمت في موضع فوق الزمان والمكان، موضع يسمع فيه صرير قلم القدر الذي قام بتصميم وتخطيط الوجود الأول، في ظل العرش وفي أفق الرضوان والفضل.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزاقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
المصدر: فتح الله كولن، أضواء قرآنية في سماء الوجدان، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة.