﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾(الضُّحَى:5)
من الممكن فهم كلمة ﴿فَتَرْضَى﴾ في الآية الكريمة على أنها إشارة إلى مقام الرضا على الصورة الآتية: إن الرسول ﷺ جاء إلى الدنيا في البداية كمظهر لمقام الرضا في صورة وماهية النواة. أجل كان هذا المظهر في البداية بمثابة نواة وبمثابة بذرة. فكما تنمو البذرة بعدما تزرعها في التربة فتكون نبتة صغيرة ثم تنمو وتكبر حتى تغطي السماء، كذلك وصل الرسول ﷺ بالإرادة والجهد والعزم الذي أعطاه له ربه مقام الرضا الذي كان في حالة القوة والكمون إلى مقام رضا بالفعل بكفاءة لا يتصورها العقل. إذن فإن أخذنا الرضا المطلق في ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ (الضحى: 5) بعين الاعتبار يمكن القول بأنه سيصل حتما إلى مقام الرضا. والسبب في قولنا بأنه سيصل هو وجود كلمة “ولسوف”.
والحقيقة إن مثل هذه العاقبة الجميلة واردة بحق كل من عاش حياته ضمن إطار أوامر ربه ونواهيه. المهم هنا ألا يقوم الشخص باستعمال القابليات الممنوحة له استعمالاً سيئاً وفي اتجاهات خاطئة.
كما أن اللام الموجودة في “وللآخرة”وكذلك في “ولسوف”هما لام الابتداء ولكن يحتمل أن يكونا لامي القسم أيضاً. فبعد القسم في الجملة الأولى على أن الآخرة ستكون خيرا له من الأولى، تأتي الجملة الثانية وتؤكد أن الله تعالى سيعطيه حتى يرضى. أي أنك نتيجة تقلب أيامك بين اللذة والألم، والحلو والمر، والمساعدات والمضايقات ستنضج وتبلغ أوج مراتب الكمال بحيث ستجد نفسك بين شلالات السعادة المادية والروحية والفكرية. هناك مدة قصيرة وفترة طبيعية وفطرية في هذه الأيام الحالية متعلقة بـ”سوف”. ولما كانت سنوات “الأولى”لا تقاس حتى بثواني “الآخرة”، إذن فاصبر قليلا فسترى نسائم الرضا الإلهي وهي تهب عليك وتحيط بك.
آنذاك لا يبقى هناك هم ولا حزن ولا كدر لا للمقتدي ولا للمقتدى به، ولا أي ضر أو قلق. سيجد المقتدى به -باسمه وباسم أمته- كل ألوان وأنواع الرضا والسعادة، ويعيش كل مظاهر “النفس الراضية”. أما جواب صاحب الأزل والأبد فهو إيصالهم إلى ذرى مراتب “النفس المرضية”. حيث تنقلب هنا القطرة إلى بحر والفناء إلى بقاء وخلود، طبعا مع المحافظة على وضع النسب بين الأصل وبين الظل. حيث تتجلى هنا حقيقة ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً﴾ (الإسراء: 79).
اللهم اجعلنا من عبادك الحمّادين واحشرنا تحت لواء محمد ﷺ .
المصدر: فتح الله كولن، أضواء قرآنية في سماء الوجدان، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة.