Reader Mode

﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾(ص:20)
جاءت هذه الآية بعد آية:
﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا اْلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَاْلإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ (ص: 17- 19)
بعد بيـان ما آتى الله تعالى داود من فضائل ومعجزات، أبـان القرآن الكريم ثلاثة فضائل أخرى مهمة وهبها الله تعالى لهذا النبي الكريم، ويؤكد على وجوب اتخاذه قدوة لكيفية ترافق الملك مع القرب من الله. وهـذه الفضائل الثلاثة الأخيرة هي:
1- وشددنا ملكه: أي ظاهرنا ملكه وساندناه. وقد تعرض النبي داود عليه السلام للعديد من البلايـا والدواهي والمصائب، ولكنه خرج منها -بفضل الله- وقـد ازداد حكمه رصانة وقوة. كما تشير الآيـة لرسـولنا صلىوسلمئ بأن المستقبل سيكون مشرقاً جداً.
2- وآتيناه الحكمة: والمظهر الكامل لحقيقة هذه الحكمة التي هي عمق مهم وخاص من أعماق النبوة… هذا المظهر الكامل للحكمة تجلى عند نبينا سيد الأنام بأجلى صورة. وهنا تذكير بهذه النعمة المهداة لرسولنا.
3- وفصل الخطاب: أي قابلية كمال الخطاب. وما أوتي النبي داود عليه السلام من هذا أوتي نبي الإنس والجن وخطيب الكون والمكان وسلطان الكلام والبلاغة صلىوسلمل أضعافه. وإذا كانت الجبال تعكس صدى مزامير داود عليه السلام فإن نغمات كلام عندليب الأنبياء وبلبل القرآن ستنعكس يوما وتتردد أصداؤها في جميع القلوب. وهذا المعنى يظهر من تداعي المعاني.
ولكن ورد في التفاسير الكلاسيكية بأن “فصل الخطاب”يعني قول: “أما بعد!”. ولكن لا يمكن أن يذكر القرآن هذا الأمر في معرض المنة وإعطاء النعمة ويقصد منه مثل هذه الكلمة التي يستطيع كل واحد تقريبا ذكرها. أجل إن هذا فضل من الله ونعمة آتاها داود عليه السلام. لذا فالأولى أن نقول بأن فصل الخطاب هنا يعني القابلية على الحديث حسب عقول الناس وقابلية الخطابة المثلى، واستعمال أسلوب حديث مقنع للجميع لا يدع مجالا للاعتراض والنقاش. ونستطيع أيضا القول بأنه قابلية شرح كل مسألة بشكل واضح بجميع تفاصيلها وفروعها.

المصدر: فتح الله كولن، أضواء قرآنية في سماء الوجدان، دار النيل للطباعة والنشر.

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts