سؤال: هل الرؤيا مصدر حكم؟
الجواب: الرؤيا “من المبشرات” كما ورد في الحديث[1]، فالله جل جلاله يسوق إلينا البشارات عن طريق الرؤى، وأرى أن هذا من باب الأفضال والألطاف على غِرار ما يُعطَى للأطفال من الحلوى.
ولا شك أن للرؤيا حقيقةً ما، والسؤال عن العمل بها لا عنها، فلنُعنَ بموضوعه، ومن المفيد الإشارة هنا أيضًا إلى حكم العمل بغير الرؤيا من وسائل الاتصال بعالَم الملكوت.
إن ساحة التكاليف هي “اليقظة”، وهذا يعني أن النوم والإغماء ونحوهما عوارضُ يرتفع بها التكليف، فليس فيهما ما يمكن أن تستند إليه الأحكام، والآمر والمأمور في هذا سواء، لذا لا يكفر من تفوه بكلمة الكفر في نومه، وكذا الإغماء علّة لرفع التكاليف الشرعية.
إن ما يرد من مشاهدات أو معلومات من طرق الاتصال بعالم الملكوت كالرؤى وغيرها ليست أحكاما تلزم الإنسان وتقيّده شرعًا.
وعندما ننظر إلى المسألة من هذه الزاوية، يتعذر القول بأن ثمة قيمة موضوعية لبشارات الرؤى أو إنذاراتها إيجابيةً كانت أم سلبيةً، فلا تُقبل دليلًا أو حجة ملزمة، والمقبول هنا أن في موافقة الرؤى للشرع الشريف وملاءمتها رسائلَ خاصة للرائي وقيمةً مالم تُعارض الكتاب والسنةَ وإلا فلا.
ولنَفترض أن إنسانًا تيسَّر له أداء فريضة الحج فلم يحجّ لأنه رأى رؤيا أَنْ لا تحجَّ، فهذا باطل قطعًا؛ فرؤياه هذه ليست دليلًا أو مستندًا شرعيًّا ألبتة؛ لأن فريضة الحج ثابتة بالكتاب والسنة، ويلزم كلَّ من وجد إليها سبيلًا أداؤها، وأعذار ترك الحج محددةٌ مبينة في كتب الفقه المستمدة من الكتاب والسنة، ولو أن إنسانًا رأى رؤيا بل مائة رؤيا خلافَ هذا، فلا قيمة َلها وعليه العمل بالأحكام الفقهيَّة.
واستغلالُ الرؤى لإلزام الآخرين بشيءٍ ما خطأٌ فادح أيضًا، ومعناه معارضة النصّ حتمًا؛ والذي يمكن أن يُسلَّم به هو أن الرؤى موجِّهة لمن يراها فحسب في المباحات؛ ويستحيل القول بأن للرؤيا وزنًا يساوي حكمًا استنبطه المجتهدُ من الكتاب والسنة النبوية…
وما قلته في العمل بالرؤى ينطبق عندي على غيرها من طرق الاتصال بعالم الملكوت:
لنَفترض أن إنسانًا تيسَّر له أداء فريضة الحج فلم يحجّ لأنه رأى رؤيا أَنْ لا تحجَّ، فهذا باطل قطعًا.
من ذلك أنه قد يتمثل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان فيلتقي به، ومن باب المحال نفرض أنه قال له أمرًا يخالف الموازين الشرعية -هذا فرضٌ محال وأجدني أرتجف وأرتعش من ذكره- فلا يجوز له العمل بقولٍ يعارض الموازين الشرعية، وليس له أن يعدّ لقاءه برسول الله حجّة ودليلًا. أجل، إن تعظيم سيد الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليه وتوقيره مسألةٌ، وكون سنته حجّةً ودليلًا واتباع حياته ونبوّته مسألةٌ أخرى، وإنما اخترْتُ رسول الله مثالًا ليشمل الحكمُ مَنْ سواه بطريق الأَوْلى، أي لو تمثل الأنبياء حقيقةً لإنسانٍ ما، وكذا الأولياء فالحكم لا يتغير، بل يتبع الرائي الضوابط الشرعيّة دون سواها ويبني عليها.
ومنهم مَنْ يتوهَّمُ الاتصالَ بعالم الملكوت عن طريق الجنّ، وهنا أقول بلغة واضحة قاطعة: هذا ليس طريقًا ألبتة؛ فالجن مقارنة بالبشر أضعف وأقل قابليةً واستعدادًا، وما يقولونه تسعةٌ وتسعون بالمائة منه كذب، لهذا قد تكون القرارات التي تتخذ بناءً على كلامهم تسعةٌ وتسعون بالمائة منها خطأ، والكهانة أيضًا صارت ظاهرةً في يومنا هذا، والكُهّان أنفسهم محتاجون إلى مساعدة، لذا فتوقُّعُ الفائدة منهم ليس إلّا خداعًا للنفس.
وللجن قدرة على الظهور بأشكال وصور مختلفة، ولهذا السبب فليس ببعيد أن يخدعوا بعضَ الناس، فكم خَدَعوا واستَغْفَلوا بهذا الأسلوب، وبلغ مِن خداعهم أنّ مِن أولئك المساكين من ظن نفسه المهدي، بل النبيّ.
لا تُقبل الرؤية دليلًا أو حجة ملزمة، والمقبول هنا أن في موافقة الرؤى للشرع الشريف وملاءمتها رسائلَ خاصة للرائي وقيمةً مالم تُعارض الكتاب والسنةَ وإلا فلا.
ويلحق بهذا الموضوع المخاطر التي تحفّ بطريق الولاية أيضًا، وحسبنا الإشارة إليها لأنها تحتاج بحثًا مفصَّلًا.
إن ما يرد من مشاهدات أو معلومات من طرق الاتصال بعالم الملكوت كالرؤى وغيرها ليست أحكاما تلزم الإنسان وتقيّده شرعًا، لا سيما إذا عارضت الموازين الشرعية؛ فهذه يمتنع الالتفات إليها قطعًا، وما ينبغي للمسلم أن يفكِّر في أمرٍ كهذا أصلًا.
وهذا خشيةَ أن يخسر المؤمنون في وقتٍ هو أدعى للكسب بأن يتنكبوا عن الصراط المستقيم -نسأل الله السلامة- سواء بسبب الرؤى أم حالات الواقعة أم باستخدام الجن والشياطين؛ فهذا “غلام أحمد” سقط في مأزقٍ كهذا فخسِرَ، لقد بلغ ما بلغ في تعزيز الروح بقوّة مميّزة في الهندوسيّة وفلسفة اليوجا، ثم سلك الطريق نفسه ليُثبِت رفعة الإسلام، فَضَلَّ، وقضى ستة أشهر بلا طعام أو حاول ذلك، ليبرهن للبراهمة والبوذيين على رفعة الإسلام كما قيل.
إن ساحة التكاليف هي “اليقظة”، وهذا يعني أن النوم والإغماء ونحوهما عوارضُ يرتفع بها التكليف.
ناشدتكم الله هل هذا هو السبيل لتبليغ الإسلام وبيانه؟ ثم قال غلام أحمد: “أنا المهدي، أنا الإمام المنتظر، أنا رسول!” ثم قال -حاشا- “أنا الله!” معتقدًا بالحلول والاتحاد.
إنَّ استخدام الجنِّ والشياطين انحرافٌ عن الصراط المستقيم. أجل، إن هذا الضرب من المسائل أي العمل بالرؤى، والركون إلى أحوال الواقعة، واستخدام الجن… إلخ دائمًا ما تبدأ عادةً هكذا في حدود المشاعر والمقاصد الإسلامية النزيهة، ثم إذا بكم قد زللتم، ولمزيدٍ من الإيضاح إليكم مثالًا:
إن اتباع الكتاب والسنة هو الواجب، ولو رقيتم إلى السماوات مثلًا، والتقيتم بسيدنا رسول الله فوق الزمان والمكان، وحظيتم برؤية تجليات الحق تعالى عيانًا، فلا يعادل شيءٌ من هذا تطبيقَ السنّة السَّنيّة.
يسوق الله جل جلاله إلينا البشارات عن طريق الرؤى، وأرى أن هذا من باب الأفضال والألطاف على غِرار ما يُعطَى للأطفال من الحلوى.
إذًا علينا ألا نخرج عن عموم دائرة المسلمين، وأن نسيرَ على أرض ثابتة، ونقول: “لَأَنْ نكون جنودًا أفضل من أن نكون قادة”، وليكن أحدنا فردًا من الناس، فهذا سيدنا عمر رضي الله عنه أثنى عليه أحدٌ بعدما أصيب قائلًا: “أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدَمٍ فِي الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ”، فتبسم عمر الفاروق بمرارة فقال: “وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي”[2] أي وددتُ أني خرجتُ من الدنيا كما دخلتُ فيها، لا أجر ولا وزر؛ وأنا الفقير أيضًا لا أتمنّى لنفسي سوى هذا.
إن الله لن يتخلَّى عنكم، وسيمنُّ عليكم بما منَّ به على الأولياء إن اصطبغتم بالمشاعر الخالصة، وتمسكتم بـ”الكتاب والسنة”، وجعلتم الدساتير الماسيّة لـ”الشريعة الغراء” ومعالم الطريق المستقيم دستورًا للحياة.
إن الكتاب والسنة بين أيدينا، فلا شيء يؤخذ به مما لم يصح في ديننا، وحسبُكم من الرُّؤى التي ترونها وأحوال الواقعة أن تطير بكم وتغدو حافزًا لِهِمَمِكم.
[1] صحيح البخاري، التعبير، 5؛ سنن الترمذي، الرؤيا، 1.
[2] صحيح البخاري، فضائل أصحاب النبيّ، 8.