سؤال: ما الدروس المستفادة من الحديث النبوي الشريف: “مَنِ ازْدَادَ عِلْمًا وَلَمْ يَزْدَدْ فِي الدُّنْيَا زُهْدًا لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللهِ عزَّ وَجَلَّ إِلَّا بُعْدًا”[1]
الجواب: إنّ الطرق التي توصِّل الإنسانَ إلى الله تعالى كثيرةٌ بعدد أنفاس الخلائق؛ فلكلّ إنسانٍ ملكاتٌ وقابلياتٌ مختلفةٌ عن الآخر، وعليه فإن بعضَ ذوي الطبائعِ الحسّاسة يرون أنَّ العِشْقَ هو أهمُّ السُّبُلِ الموصِلَةِ إلى الحق تعالى؛ ولذلك فإنَّ بعض الضاربين في الأرض طلبًا للعشق قد تناولوا هذا الطريق وتحدثوا عنه، ومنهم “فضولي البغدادي” إذ أنَّ وتألَّـمَ يطلبُهُ قائلًا (ترجمة):
اللهمَّ أذِقني بلاء العشق دومًا
ولا تُبعدني عنه لا لحظةً ولا يومً
بينما الشيخ “محمد لطفي أفندي” أحد رجال القلب والمعنى يقول (ترجمة):
هَبْ قلبكَ لمعشوقٍ فيَسُرّك ويُبهِجك
وتمسَّك بذَيلِ مَن مُرادَكَ يُبلِّغُك
وثمة بطل آخر من أبطال العشق هو “الشيخ غالب”، تراهُ يُصوِّرُ العالَم الداخليَّ للعاشق قائِلًا (ترجمة):
إنّ قلبَ الزاهدِ الجنةُ تَهمُّه
ولا يهمُّ قلب العارف المكلومِ إلا معشوقُه
الإنسان الذي يظنُّ نفسَهُ على درجةٍ عاليةٍ رفيعةٍ، ويدَّعي أنه حالةٌ خاصّة عن باقي البشرِ وأنّه إنّما أُرسِلَ مزوَّدًا بإمكانياتٍ وصفاتٍ خاصَّة من عند الله للقيام بوظيفةٍ مهمّة، وللأخذ بِيَدِ الإنسانيّة من أجل إيصالها إلى أوجِ الكمالات؛ ليس له في الحقيقة قيمةٌ تُذكرُ.
وإنّ بعضَ سالكي سبيل الحقِّ والحقيقة حاولوا الوصول إلى الله تعالى عبر طريق الزهد، واعتقدوا أنَّ هذا الطريق أهمُّ وأسلَمُ بالنظر إلى غيره من الطرق الأخرى، والزهد -في أحد معانيه- يعني تركَ الدنيا وما فيها، والاستفادةَ منها بقدرِ الحاجة فحسب، فالإنسان لا ريب مُطَالبٌ بتلبية حاجاته البدنيّة من أكلٍ وشربٍ ونومٍ حتى يواصل حياته، بيدَ أنَّ الإنسانَ الراغبَ في أن يحيا حياته في دائرةِ الزهدِ لا يطمع بالاستغراق في الاستفادة من هذا النوع من النعم الدنيوية، ولا إلى التشبُّعِ منها؛ خوفًا من أن تُوقِعَهُ هذه الملَذَّاتُ في الغفلة، ومن ثمَّ يسترشد في حياته دائمًا بعبارة: “ما هذه الملَذَّات إلا نماذج، وقد أُذِنَ لنا منها بالتذوُّقِ فحسبُ، لا بالشراهةِ والغبِّ”.
أما أرباب الكمال وبعض الأرواح الحسّاسة الساعية إلى التعرُّف على الله تعالى عبرَ طريقِ التدبُّرِ والتذكُّرِ والتفكُّرِ فإنها تُحَلِّلُ الأشياء والحوادث بعمقٍ دائمًا، وتطالِعُ كتابَ الكون وتُقيِّمُ المناسبات بينه وبين القرآن الكريم معجزِ البيان، وتسعى لمشاهدة كلِّ واحدٍ من هذين الكتابين تحت عدسة الآخَر ومرصده.
التائهون في أودية التقليد
خلافًا لكلِّ هؤلاء فإنّ ثـمّةَ أناسًا أَسَرَهم التقليد وكَبَّلهم؛ بحيث عجزوا عن التخلُّصِ من العيش الصوريِّ والشكليِّ، وأمثالُ هؤلاء الناس يصعبُ عليهم إلى حدٍّ بعيدٍ أن يتقدَّموا ويسيروا إلى الأمام؛ فموقفُهم من حيث تقليدهم ما رأوه عند آبائهم يُشْبِهُ موقفَ الكافرين الذين: ﴿قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 104/5)، والإنسانُ الذي يعيش هذه الحالة يجب عليه أن يسأل نفسه: “لو تربَّيتُ في حظيرة إحدى الكنائس هل كنتُ أستطيعُ أن أظفرَ ولو حتى بإسلامي التقليديّ الذي أنا عليه الآن باستخدامي العقلَ والمنطق والمحاكمة العقلية؟!”، والحقُّ أنَّ أهل السنة والجماعة قالوا بقبول الإيمان حتى ولو كان تقليديًّا معتمدين في ذلك على سعةِ رحمةِ الله تعالى؛ أي إنَّه سينجو أولئك الأشخاصُ الذين إنّما يشهدون أنَّه “لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله” ويذهبون إلى المساجد، ويصومون تقليدًا لآبائهم واقتداءً بهم ليسَ إلّا.
كثرة من يزعم أنه المهدي المنتظر
الحقيقة أن هذه الأمور المذكورة بالنسبة للتقليد ترسُمُ جيلَنا وتُصَوِّرُهُ، لأنَّه ليس بيننا على الإطلاق من توصَّلَ إلى الحقائق التي نؤمن بها اليومَ مُعمِلًا عقلَهُ ومُعْيِيًا إيّاه في سبيل ذلك، وليس منّا من ترك راحته وفراشه ليلًا وتجول في الممرات كالمجنون وسعى كما كان يسعى “زيد بن عمرو”[2] -عمُّ عمر ووالد سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنهم- الذي سافرَ من الجزيرة العربيّة إلى الشام بحثًا عن الدين الصحيح، وحرصًا منه على الوصولِ إليه[3]، إننا لم نسعَ سعيًا حثيثًا كي نجده، وإنما اكتفينا بالتقليدِ فحسب، ولا سيما إنْ همَّ البعضُ يصفِّقُ لإسلامنا ويمتدِحُه، وظنَنَّا أنفسنا شيئًا فقد انخدَعْنا أيّما انخداع، حتى إن بعضَ البائسين أسلموا أنفسَهم للشُّهْرَةِ والصيتِ أمام هذا التقدير والتصفيق، ونتيجةً لذلك ظهر في كلِّ مكانٍ عددٌ من الأشخاص ادّعى كلٌّ منهم أنه المهدي، فنحنُ نرى في عصرِنا دعاة المهديّة قد كَثُرُوا، لدرجة أننا إنْ قلنا “ثمة حالةٌ من التضخُّمِ في ادِّعاء المهديِّ المنتظرِ” لم نبالغ. أجل، فبينما بعض المؤمنين يحاسب نفسه إن كان في عِدادِ المؤمنين أو لا؛ هناك من يرى نفسَه بطلًا سَيُخَلِّصُ العالمَ في حملةٍ واحدةٍ، ويطرح القياصرة والأكاسرة أرضًا، أما الحقيقةُ والواقعُ فتُظهران أنَّ كلَّ واحدٍ من هؤلاء عبدٌ من عبيدِ التقليد الذين لم يعرفوا الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم حقَّ المعرفة، ولم يُدرِكوا شيئًا من حقيقة الخلفاء الراشدين ولا الصحابة الكرام، وتقدُّمُ هؤلاء مِنَ الصعوبةِ بمكان؛ لأنهم لم يعرفوا أين هم، وكيف أنهم يتعثَّرون حتى على الطرق المستوية الممهَّدة.
ينبغي للإنسان أن يرى نفسه وضيعًا صغيرًا بقدر جناحِ بعوضة، بيد أنه يجبُ عليه من ناحيةِ العمقِ الدينيِّ أن يقول: “إلهي! بلِّغْني كمالًا في الدين وارزقني فقهًا فيه، حتى إنَّ وارداتي الخاصّة بِدِيني تكفي لدخول الإنسانيّة كلّها في الجنة!”
والحالُ أنَّه يجب على القلب المؤمن أن يتفكَّرَ ويتدبَّرَ ويتذكَّرَ دائمًا بينما يُبحر في بحار معرفة الذات الإلهية ومحبَّتِها، وأن يواصلَ طريقَهُ دون تلكُّؤٍ أو تباطُؤٍ أو اكتفاء، وعليه أن يقول أمام كؤوس المعرفة المقدَّمة إليه كما قالَ ذلكَ العاشقُ الولهان:
انظر إلى حال هذا العبد الفقيرِ
لقد أَسَرَته ذؤابةُ شَعرِك الضَّفِيرِ
وكلَّما غمستُ أصبعي في عسلِ عِشْقِك
استَزدْتُ منه فزادني عطشًا فأدْرِكْنِي بماءِ وصْلِك
وعليه أن يستزيدَ شربًا تمامًا كالظمآن الذي يسعى لريِّ نفسِهِ بشربه من ماءِ البحر؛ فكلّما شربَ أكثر كلّما ازدادَ عطشًا أكثر، ويلزمه وهو يبحرُ إلى المعرفةِ ليتعمَّقَ فيها من جانبٍ؛ ألا تغادرَ عقلَه -من جانب آخر- ملاحظاتٌ مهمّة مثل: لو أنني استطعتُ أن أسمعَ وأُحسَّ ما يجب أن يُسمع ويُحَسّ بالفعلِ وأدركت حقيقةَ ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (سُورَةُ الرَّعْدِ: 28/13)، ويا ليتني وعيتُ تلك البشارة الواردةَ في هذه الآية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ (سُورَةُ الرَّعْدِ: 29/13)، لو أنني استطعتُ ذلك؛ لكنتُ أتَّصِلُ بالحقِّ تعالى اتصالًا أقوى، وأترنَّم بنغماتِ العشق والاشتياقِ دائمًا، وأخفضُ للمؤمنين جناحَ الذلِّ والتواضع، وأنظرُ إلى المخلوقات كلِّها برأفةٍ وشفقةٍ واسعة كالفضاء، وعدمُ حدوثِ هذا يعني أنني ما زلتُ أخلدُ إلى الأرض وَضَاعَةً ودنوَّ مقام.
الجمعُ بين السعيِ الخارقِ والتواضعِ الفائقِ!
العبوديّة الحقَّةُ هي الجمعُ بين سعيٍ خارقٍ وتواضُعٍ فائقٍ؛ فعلى الإنسان أن يرتقيَ إلى العُلا حتى إنَّ الملائكة حين تنظر إليه تتحيَّرُ وتتعجَّبُ قائلةً: “يا لَلعجب! كيفَ لِمخلوقٍ من صَلْصَالٍ من حمإٍ مسنون أن يُشَارِكَنا نفسَ الأفقِ أو يُحَلِّق أمامنا؟!”، وينبغي له عندئذٍ أن لا يرى نفسَه إلا صفرًا، ويقولُ بكلِّ راحةٍ ودون تردُّدٍ حين يطلبون منه الحديث عن نفسِهِ: “لا شيءَ قطّ”.
ليس ثَـمّة إنسانٌ أعظمٌ من مفخرة الإنسانية صلى الله عليه وسلم من حيث إدراك الكمال بحقّ، وبرغمِ هذا فقد تضرَّعَ صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى داعيًا إيّاه: “اللهُمَّ اجْعَلْنِي فِي عَيْنَيَّ صَغِيرًا وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرًا“[4]، وقد دعا أحدُ أولياء الله بهذا الدعاء وعدَّلَ فيه تعديلًا يُوافِقُ حاله فقال: “اللهُمَّ اجْعَلْنِي فِي عَيْنَيَّ صَغِيرًا وَفِي دِينِي كَبِيرًا!”.
ينبغي للإنسان أن يرى نفسه وضيعًا صغيرًا بقدر جناحِ بعوضة، بيد أنه يجبُ عليه من ناحيةِ العمقِ الدينيِّ أن يقول: “إلهي! بلِّغْني كمالًا في الدين وارزقني فقهًا فيه، حتى إنَّ وارداتي الخاصّة بِدِيني تكفي لدخول الإنسانيّة كلّها في الجنة!”، ومن هذا المعنى مقولةُ سيدِنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقِّ سيدنا ماعزِ بن مالكٍ رضي الله عنه بعدَ إقرارِه بذنْبِهِ، إذ قالَ: “لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ“[5]، وذلك لأنه ارتكبَ ذنبًا خفيًّا في مكانٍ لم يعرفْه ولم يرهُ فيه أحدٌ من البشر، فندمَ على ذلك، وهرعَ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبرَهُ أنهُ يريد أن يَتطهّر من ذنبه؛ فردّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاث مرات، وبالرغم من هذا كان يرجع في كلِّ مرة إليه مجدَّدًا كي يُطهِّرَ نفسَه مما فعل، وبعدَ أن أُقيمَ عليه الحدُّ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم قولته المذكورة آنفًا بيانًا منه لحقيقةٍ مهمّةٍ، ومنعًا لإساءة الظنّ به[6].
أجل، ينبغي للإنسان أن يتعمَّقَ دائمًا في الإيمانِ والمعرفةِ والمحبَّةِ والذوقِ الروحانيّ والثباتِ على العشق والشوق، غير أنه إلى جانب هذا يلزمه أن يرى نفسه “لا شيء”، فهو إن كان قد توصَّلَ إلى عمقٍ قلبيٍّ بالفعل سيرى نفسَهُ أحقرَ الوَرَى، وبمفهوم مخالفٍ فإن الإنسان إن رأى نفسَه أعلى من الآخرين فهو في الحقيقة أحقرُهم وأدناهم منزلةً، ولن تتغيَّر النتيجة مؤمنًا كان هذا الشخصُ أو منافقًا أو كافرًا.
العِلم هو أن تعرف نفسك
إن الإنسان الذي يظنُّ نفسَهُ على درجةٍ عاليةٍ رفيعةٍ، ويدَّعي أنه حالةٌ خاصّة عن باقي البشرِ وأنّه إنّما أُرسِلَ مزوَّدًا بإمكانياتٍ وصفاتٍ خاصَّة من عند الله للقيام بوظيفةٍ مهمّة، وللأخذ بِيَدِ الإنسانيّة من أجل إيصالها إلى أوجِ الكمالات؛ ليس له في الحقيقة قيمةٌ تُذكرُ؛ مثلُه في ذلك مثل جناحِ بعوضةٍ، لأن علامةَ العَظَمَةِ هي التواضعُ والفناء، وعلامة الضَّعَةِ والدناءةِ هي التكبُّرُ والغرورُ.
والمعرفة الحقيقيّة هي أن يستطيع الإنسان تَتْوِيجَ ما لديه من علمٍ بالتَّنَبُّهِ التَّامِّ لمثلِ هذه الملاحظات، وهذا شأنُ من ارتشفوا الكمالَ، وبلغوا النضجَ، واستطاعوا جعلَ علمِهم النظريّ واقعًا وعملًا ملموسًا، وبالرغم من أنَّ الشيخ محمد لطفي أفندي كان يجلس على وسادَتِهِ ستّ ساعات يوميًّا يشتغل بالعلم والذِّكر فقد كان وجهه يصفرُّ ويشحب حين تذكّر الذات الإلهية فيقول (ترجمة):
الزهد -في أحد معانيه- يعني تركَ الدنيا وما فيها، والاستفادةَ منها بقدرِ الحاجة فحسب.
ليس لي عِلْمٌ ولا عمل نافع…
ولا قدرةٌ على الطاعة والبر، ولا دافع
غريقٌ في العصيان… كثيرُ الآثام والشرور…
فماذا تكون -يا تُرى- حالي يوم الحشر والنشور؟!
ويقول يونس أَمره (ترجمة):
العِلم هو أن تعرف
أن تـعـرِف نـفــسَـك
فـإن أنـت لا تعـرفه
فالعفاء علـى ما قرأت
أما الذين يُعَلِّقون المسألةَ على تقدير هذا وامتداحِ ذاك؛ فليس بإمكانهم أن يتجاوزوا الموضعَ الذي يقفون فيه ولو خطوةً واحدة إلى الأمام، فمثلُ هؤلاء لن ينفعَهم مدحُ الآخرين لهم ولا إطراؤُهم أو تقديسهم، وإن قيّمنا الأمر في ضوء الحديث النبوي الشريف الوارد في السؤال؛ فإنه إن لم يرفض المؤمن الدنيا وما فيها ويُعرِض عنها زاهدًا فيها برغم وفرة علمه، وظلَّ يهتمّ بالدنيا وشأنها ويركض وراءها لاهثًا، وما إن وصلَ مرتبة حتى طَمِعَ في المرتبة الأعلى منها، وراح يتقطَّعُ متحرِّقًا جزِعًا حتى لا يضيع ما في يديه من متاع الدنيا؛ فإنّ هذا كلَّه لا يعني سوى البُعدِ عن الله تعالى، أجارنا الله وإياكم.
[1] الديلمي: مسند الفردوس، 602/3.
[2] وزيد بن عمرٍو هذا مات قبل بعثة النبي لكنّه كان من الموحِّدين العرب، وكان يقول: “اللهم إني لو أعلم أَحَبّ الوجوه إليك عبدتُك به، ولكني لا أعلم”، ثم يسجد على راحلته، وروى البخاري عن ابن عمر أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي، فَقَالَ: لاَ تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ! فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، وَلاَ نَصْرَانِيًّا، وَلاَ يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ! فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا، وَلاَ يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ” (صحيح البخاري، المناقب، 83). وكان يدعو الله إن لم يُقَدَّرْ له أن يُدرِكَ النبيّ المنتظَرَ فليُدرِكه ابنُه سعيد، وفعلًا أدركه ابنُه سعيدٌ وفازَ بذلك فكان من العشرة المبشرين بالجنّة.
[3] صحيح البخاري، المناقب، 83.
[4] مسند البزار، 315/10؛ الديلمي: مسند الفردوس، 473/1.
[5] صحيح مسلم، الحدود، 5.
[6] انظر: صحيح مسلم، الحدود، 5.