Reader Mode

سؤال: في أوقات فراغنا يُلقي الشيطان في قلوبنا كثيرًا من الشبهات والشكوك وتصبح إرادتُنا أُلعوبةً في يد مشاعرنا حتى نحسّ بأن صبرنا عن المعاصي قد بدأ ينفد، فبماذا توصوننا؟.

الجواب: بدايةً يجب أن نستعيذ بالله من دسائس الشيطان وفتنه وتزيينه الشرور وأن نضع جباهَنا على الأرض ساجدين؛ لنكسرَ غرورنا؛ لأنّ “أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ”[1]، وأن ندخل في حرز ربنا سبحانه مبتهلين إليه قائلين: “اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”[2].

القول بأن الشيطان يتسلّط علينا في أوقات فراغنا هو تعبيرٌ حقيقي، فالشيطان يتسلّط أكثر ما يتسلّط على العاطلين الذين لا يقومون بأي نشاطٍ دينيٍّ ولا يحملون همّ الدعوة إلى الله؛ لذا علينا البدء من هذه النقطة، ونتخلّص من الفراغ والخمول، ونبحث عن طرق النشاط.

نفسك إن لم تشغل بالحق، شغلتك بالباطل:

ما دام الشيطان يستفيد في الأكثر من فراغنا فيوسوس في صدورنا ويزيّن الشرور في أعيننا ويحضّنا على اقتراف الآثام، إذًا فعلينا أن نشغل أنفسنا دائمًا بمشاغل الخير، ونحاول سدّ الفراغات التي ينفذ منها إلى أنفسنا، وأن نتشبّع بالفكر والعمل حتى لا ندع له مجالًا ينفذ منه إلى أرواحنا، إن الشيطان لن يجد طريقًا يوسوس من خلالها في صدور المرتبطين بالله تعالى والمجددين معه هذه الرابطة من خلال التأمّلِ الدائمِ للآفاقِ والأنفسِ، كما لا قبل له بأن يتلاعب مع الذين يذكرون الموت على الدوام ويتأثّرون به ولا يستطيع أن يهزمهم.

ولن يستطيع الشيطان فرضَ نفسِهِ وَوَسَاوِسِهِ على رجل الدعوة الذي ينافح ليلَ نهار لإعلاء راية الإسلام في كلّ أنحاء الأرض، ولن تستطيع يد الشيطان الخبيثة أن تمتدَّ إلى إنسانٍ تشبّعت جميع أحاسيسه ومشاعره بالإيمان اليقيني، وعَمَرَ قلبه بالفيوضات الإلهية.

وأننا إن كنا على ارتباطٍ وثيقٍ بربنا فلن يدعَنا للشيطان الذي هو عدوّنا المشترك. فهل من الممكن أن نكون أوفياء لدينه فننصره ولا يكون هو سبحانه وتعالى -حاشاه- وفيًّا لنا؟ بل هو أوفى الأوفياء، فلا شكّ أنه لن يكلنا إلى أهوائنا، ولن يتركنا للانحلال والتفسّخ؛ فهو يقول في كتابه العزيز: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ (البَقَرَةِ: 2/40)، فهل من الممكن أن يسلِّط ربُّنا سبحانه الشيطان علينا ونحن نعمل على نصرة دينه؟ أبدًا، بل على العكس، ففي مثل هذه الأوضاع سيجعل لساننا رطبًا بذكره، ويردّنا إلى أنفسنا لنتذكر ونبتعد عن الهاوية التي أعدّها الشيطان لنا، مثلما أبعد بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاءت أوقاتٌ تكدّرت فيها أبصارهم ودارت فيها رؤوسهم لكونهم بشرًا، ولكن الربّ سبحانه أراهم برهانَه وصرف أبصارهم إلى المعالي الآخرة مجدّدًا.

إننا إن كنا على ارتباطٍ وثيقٍ بربنا فلن يدعَنا للشيطان الذي هو عدوّنا المشترك.

ولو ألقى كلّ مَن يعمل في الدعوة نظرةً متأمّلةً على حياته لرأى كيف أنه أشرفَ أكثر من مرّةٍ على شفا الجُرُفِ الهَارِ باستعماله إرادتَه استعمالًا سيّئًا أو نتيجة خطأ ارتكبه دون قصد، وكيف مدّت العناية الإلهية يدَها إليه وأنقذته، وبنسبة إخلاصه وصدقه رأى عونَ الله ولُطْفِهِ، وشاهد مكتوبًا على ناصية إرادته سرّ الآية الكريمة: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (مُحَمَّدٍ: 47/7).

———————-

المصدر: محمد فتح الله كولن:”الاستقامة في العمل والدعوة”، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص: 233-235.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.

[1] صحيح مسلم، الصلاة، 215؛ سنن أبي داود، الصلاة، 156.

[2] صحيح مسلم، الصلاة، 222؛ سنن الترمذي، الدعوات، 131.

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts