لا يظهر الصبر والصدق إلا بالامتحان؛ فالذين يُصرّون أن يبقوا ملازمين باب الله تعالى ولا ينفكّون عنه أملًا في الدخول في أيّة لحظةٍ مهما تعرّضوا للأذى والابتلاء هم الذين ينجحون في هذا الامتحان، أما الذين يتركون هذا الباب عند أقل محنة ويبدّلون طريقهم واتجاههم فسيرسبون في الامتحان.
عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعرّض إلى بلاءٍ أو مصيبةٍ كان يهرعُ إلى الوضوءِ فالصلاةِ، والآيةُ الكريمةُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البَقَرَةِ: 2/153) تعلّمنا هذه الحقيقة، فإن أحاطت بكم البلايا وأظلمت آفاقكم فعليكم بالصبر والصلاة فهما طريقُ النجاةِ من هذه الدوامة.
عليك أن تتحمّل وتصبر، وتصرّ على العبودية والتوجّه إلى حضرة مولاك تبارك وتعالى.
اختبار تمحيص:
من المحتمل أن الله تعالى يريد بهذه الامتحانات أن يُظهر للعيان مدى وفائنا وولائنا وتحمّلنا وصِدقنا وصبرنا رغبةً في أن يوجهنا إلى قيمنا الحقيقية وكذلك ألطافه علينا؛ أي سيقيس مدى قوّة صبرِنا وصِدقنا بِرَدّ فعلنا وسلوكنا أثناء هذه الامتحانات ويعرّفنا بأنفسنا، وذلك لكي لا يكون للناس حجّة على الله، وربما يعترض العبد بعد هذا القياس والتقييم لنفسه ويقول معترفًا: يا رب! كم كنتُ شخصًا متقلبًا متلونًا! لقد امتحنْتَني مرةً وأغلقتَ الباب في وجهي مرة فانحرفتُ وتحوَّلْتُ عن بابك وانصرفتُ عنك، بينما كان عليّ أن أُصارع أعداءَك وأبقى ثابتًا في مكاني أمام بابك لا أتحوّل عنه ولو تكررتْ أمامي المحن، لو عَرَّضْتَ جيوشي للهزيمة مئات المرات لكان عليّ أن أعتصم بك وأقول: أنت غايتي يا رب، لو هدمتَ عليّ بيتي، أو حرقت قلبي بفقد أولادي وأموالي؛ لكان عليّ ألا أنحرف عن بابك، لو ابتليتَني بالأمراض من قمّة رأسي إلى أخمص قدمي، وبدأت أَئِنُّ من الآلام والأوجاع لكان عليّ إذا ما وجدتُ في نفسي القدرة على النطق بكلمتين أو ثلاث أن أقول أيضًا: أنتَ غايتي يا رب، لكنني بدلًا من أن أكون هكذا وأقول هذا لم أستطع الصبر، واهتززت ورجعت وتركت بابك، فما أعظم جنايتي وما أكثر تلوّني وتقلُّبي.
امتحان ولو كنت سائراً في طريق الحق:
والعبد يُمتحن حتى وإن كان سائرًا على الحقّ وعلى الصراط المستقيم، فهناك أحاديث كثيرة حول هذا، فالله تعالى يمتحن عبده ببلايا ومصائب شتّى لكي يسير العبد إلى ربّه طاهرًا نقيًّا، وبذلك يظلّ يتنزّه في منازل الجنة بما يشعر به من أمانٍ واطمئنان.
سنتعرَّض نحنُ أيضًا لِلْغَرْبَلَةِ عدَّةَ مرَّاتٍ وسنُمتَحَنُ، وبذلك يُميّز الفحمُ عن الماس، والغثُّ من االسمين، والرديءُ عن الجيد.
الامتحان ضروري لا سيما في أيامنا الحالية، فالحيلولة دون التلوّن والتقلّب المحتمل في المستقبل لا يمكن إلا بعد خوض غِمارِ مجموعة من المِحَنِ والاختبارات، لذا فإن الامتحان عاملٌ مهمّ لمن ينوي أن يهبَ نفسه لتحمّل عبْءِ الدعوة إلى الله، والله تعالى هو الممتحِن في الحال وفي المآل، وما علينا إلّا الثبات والصبر والتزام بابه بكلّ صدقٍ وعزيمةٍ وإخلاص.
———————-
المصدر: محمد فتح الله كولن:”الاستقامة في العمل والدعوة”، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص: 241-242.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.