سؤال: عدَّ الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي سوء الظن من الأمراض المعنوية التي تهدم عرش الكمالات، إلى جانب اليأس والع جْب والغرور؛ فما الأمور التي يجب مراعاتها حتى يستطيع الإنسان إحسان الظن بالآخرين، ويتجنب إساءة الظن بمن يشاركونه دربه أو الذين ينتسبون إلى مشارب مختلفة؟
الجواب: ركز الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله في مواضع مختلفة من مؤلفاته على بعض الأمراض المعنوية التي تعاني منها الإنسانية والعالم الإسلامي على وجه الخصوص، ووضع الوصفات العلاجية الخاصة بها؛ فمثلًا يذكر أن أكثر الأمراض الفتاكة في العالم الإسلامي هي “الجهل والفقر والفرقة”، وإلى أن يتمكن المسلمون من حل هذه المشاكل فلن يكون بإمكانهم التخلص من الذلة والخنوع، وكما حدث في عهد “التنظيمات”[1] عندما كانوا يترقبون ما تُمليه عليهم أوروبا سيظلون فيما بعد أيضًا يترقبون ما تمليه عليهم الدول العظمى، وبذلك لن يتخلصوا من براثن الوصاية ألبتة، ولن ينالوا حريتهم واستقلالهم، وسيُحكم عليهم بمواصلة حياتهم بأيدٍ مغلولةٍ وأفواهٍ مكمّمة.
لو كان لدينا بعض الفضل فليذكره الآخرون، أما التشوف لشيء فهو مرضٌ خبيث، ولو فكّرنا في سلبياتنا قبل سلبيات غيرنا فلن نرمي الآخرين بالباطل ولن نتورط في سوء الظن.
وتبرز هذه الأمراض الثلاثة بشكل أكبر على المستوى الاجتماعي والسياسي، ولكن نظرًا لأن كل شيء يبدأ من الفرد، فلا يمكن غضّ الطرف عن انعكاسات هذه الأمراض على المستوى الفردي؛ فلا سبيل للمجتمع أن ينعم بالصحة والسلامة وهو يقوم على الذنوب والموبقات، أما بالنسبة للأمراض التي جاء ذكرها بالسؤال فهي تتعلق بحياة الإنسان الشخصية والمعنوية مباشرة.
سوء الظن مرضٌ يلحِق الضرر بالكمالات المادية والمعنوية، ورغم أنه مرض فرديّ في الأساس فقد يتحول أحيانًا إلى مرض اجتماعي.
وقد ركز الأستاذ النورسي على اليأس أولًا، مشيرًا إلى أن الثلاثة الأخرى تتولد عن اليأس من جهة ما؛ لأنه يرى اليأس حائلًا دون أي كمال؛ بمعنى أنه عائقٌ كبيرٌ يحول دون أيّ خير وجمال؛ ومن الصعوبة بمكانٍ أن تجد إنسانًا يائسًا قد نال الفلاح، ولهذا فإن الاستغراق في الأفكار السلبية من قبيل: “لقد ولى الزمان، فلا تشغلوا أنفسكم عبثًا، فالأمة المحمدية لا يمكن أن تستوي على عودها من جديد”؛ تُقنع الإنسان بأنه لا فائدة ولا خير يُرجى منه.. إن مثل هذه الأفكار التشاؤمية هي بمثابة ضربات قوية تكسر يدي الإنسان وجناحيه، وتثبط عزائمه، فمن يفكر بهذا الشكل، أو يثرثر بهذه الأفكار فلا مناص أنه يهدم عالمه ويدمر دائرته وبيئته.
إن استطعنا أن ننكر ذاتنا خمسين مرة في اليوم فلنفعلْ، وعند ذلك لن نشتغل بعيوب غيرنا، ولن نسيء الظن بهم.
وفي هذا الصدد يقول الشاعر الإسلامي محمد عاكف في منظومته الشهيرة:
اليأسُ مستنقع عميق الغَور، إذا وقعتَ فيه فأنت غريقُ
فتمسك بالأمل بقوة، وانظر ما ستؤول إليه حالك يا صديقُ
إن من يحيا يحيا بعزيمته وبأمله المنشودِ
واليائس يغلّل روحه وضميره بقيد حديديٍّ منضودِ
يجب عدم الاستخفاف بأي خدمة، أو الاستهانة بها، ولا بد من إحسان الظن بكل من يسعى في سبيل الله لخدمة الإنسانية.
أما المرض الثاني الذي تم التركيز عليه فهو العجب؛ والعجب وإن اختلف قليلًا عن الفخر والغرور والكبر ببعض الفروق الطفيفة فكل هذه الأمراض ناشئة عن ذات المصدر الفتّاك، فلو توفر مثل هذا المنبع المشؤوم داخل الإنسان تصاعد العجب أحيانًا، والغرور أحيانًا، والكبر أحيانًا أخرى.. والعجب يعني الإعجاب بالنفس؛ أي إعجاب الإنسان بنفسه في الداخل، وإعجابه بالأعمال التي قام بها، ومثل هذا العجب يتجلى في الخارج في صورة افتخار أحيانًا، وغرور أحيانًا، وكبر أحيانًا أخرى؛ ولا ريب أن كل هذه الأمراض تمثل صفة شيطانية.
“اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ”
يُضاف إلى هذه الأمراض مرضُ “سوء الظن”، وهو: امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس؛ حتى يطفح على اللسان والجوارح، ولقد نهى القرآن الكريم المؤمنين عن سوء الظن فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ (سورة الْحُجُرَاتِ: 49/12)؛ ولهذا فإن الوظيفة التي تقع على عاتق المؤمن هي حسن الظن قدر الإمكان، وتجنب سوء الظن، بل على الإنسان إذا شاهد أحدًا في وضع مخلٍّ أن يلتزم بالمبدأ الذي وضعه الأستاذ النورسي وهو “حسن الظن المصحوب بالحذر”؛ أي يحسن الظن بالجميع، ولكن مع أخذ الحيطة والحذر، وعدم التخلّي عنهما.
قد يحب الإنسان طريقه ومسلكه ومشربه بجنون، بل يلزم أن يفعل ذلك، ولكن هذا لا يقتضي الاستخفاف والاستهانة بمشارب الآخرين ونقدها وإضمار العداوة لها.
ويقول سبحانه وتعالى في آية أخرى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (سورة الإِسْرَاءِ: 17/36)، فهذه الآية الكريمة لها أهمية بالغة من حيث إنها تشير إلى عاقبة سوء الظن؛ لأن سوء الظن عبارة عن قناعة وتخمين سلبي لا يعتمد على معلومات قاطعة بحق شخص ما، والحال أن الآية الكريمة تنهى عن الاشتغال بما لم يقم على معلومات قاطعة، ولذا فإن من يعتقد في ظنه وتخمينه قطعية الثبوت والدلالة ويقيّم الناس على هذا الأساس فقد حمّل نفسه وزرًا عظيمًا، فمثلًا يقول القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (سورة الْحُجُرَاتِ: 49/6)، فعلى الإنسان ألا يصدِّق كل ما يسمعه، وأن يذعن لأوامر ربه التي جاءت بالآية الكريمة، وأن يفتش ويدقق في مصدر الخبر المتناهي إليه، وفي خلفياته ومدى صحته؛ حتى تتبين له المسألة بوضوح، وفي هذا السياق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: “كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ“[2].
وأحيانًا قد تقع العينُ على بعض الأمور، ولكن لا تعني رؤية الإنسان للشيء إدراك حقيقة ما يراه دائمًا، فكما أن الإنسان يخطئ أحيانًا في رؤيته فكذلك ربما لا يستطيع أن يفهم بعض الأمور بشكل صحيح، فما يقع على الإنسان هنا هو ألا يتسرّع في إصدار الأحكام على كل حادثة يشاهدها، وأن يسعى أولًا إلى التأكد من صحة ما شاهده.
قد يصيب أربابَ الخدمة مثلُ هذا المرض إن لم ينتبهوا؛ فمثلًا قد يسيئون الظن ببعض الجماعات والكيانات المختلفة، ويخطئون في تقدير أجلّ الأعمال الخيّرة التي يقوم بها هؤلاء.
جديرٌ بالذكر أن الفؤاد قد ذُكر في الآية الكريمة بعد السمع والبصر، وأنه مسؤول أيضًا عن أفكار صاحبه وتأويلاته. أجل، إن كلًّا من السمع والبصر والفؤاد مسؤولٌ يوم القيامة عن أيِّ حكمٍ لم يقم على دليل قطعيّ أو معلومة ثابتة، وسيشهدون -حفظنا الله- على صاحبهم في ذلك اليوم، وهذا يوضِّح أن حكم الإنسان على غيره اعتمادًا على ظنه وتخمينه أمرٌ يستلزم مسؤولية كبيرة.
سوء الظن بين الجماعات
سوء الظن مرضٌ يلحِق الضرر بالكمالات المادية والمعنوية، ورغم أنه مرض فرديّ في الأساس فقد يتحول أحيانًا إلى مرض اجتماعي، فلو داوم الفردُ على إساءة الظن بالآخرين وتأويل تصرفاتهم بشكل سلبي والاستهانة بهم وتحقيرهم فهذا هو سوء الظن على المستوى الفردي، وكذلك إن أساءت جماعة معيّنةٌ الظنّ في جماعة أخرى، واستخفت بأعمالها ومساعيها ففي هذه الحال تتسع دائرة سوء الظن أكثر فأكثر، ويمكن أن تشكل الأنانية الفردية تهديدًا أكبر لأنها تقوَى باعتمادها على الأنانية الجماعية، وإذا قويت بالأنانية الجماعية صارت غير قابلة للتزعزع أو الانهيار.
إن سوء الظن بين الهيئات الأخرى والجماعات المختلفة فضلًا عن سوء الظن الفردي قد يؤدي إلى نتائج مدمرة أكثر من الناحية الاجتماعية.
وللأسف فإن سوء الظن بين الهيئات الأخرى والجماعات المختلفة فضلًا عن سوء الظن الفردي قد يؤدي إلى نتائج مدمرة أكثر من الناحية الاجتماعية؛ فمثلًا قد تسيء المجموعة (أ) الظنَّ بالمجموعة (ب)، وتنتقد كل ما تفعله، فتأتي المجموعة (ب) وتسيء الظن في الأولى، وتعتقد كل مجموعة أن الخدمات التي تقدمها هي أكثر توافقًا مع الإسلام، وأنفع للإنسانية، ولا يستهويهم إلا ما يفعلونه بأنفسهم فقط، أما الخدمات والأعمال الخيرة العديدة التي قام بها غيرهم فيبحثون لها عن مسوّغ وينتقدونها بقسوة.
وقد يصيب أربابَ الخدمة مثلُ هذا المرض إن لم ينتبهوا؛ فمثلًا قد يسيئون الظن ببعض الجماعات والكيانات المختلفة، ويخطئون في تقدير أجلّ الأعمال الخيّرة التي يقوم بها هؤلاء، علمًا بأن المعيار الذي وضعه الأستاذ سعيد النورسي في هذا المضمار بيِّنٌ واضح، حيث يقول: “إن تفضيل الإنسان لمشربه بناء على محبته له لا يستلزم عداوته للآخرين”، فقد يحب الإنسان طريقه ومسلكه ومشربه بجنون، بل يلزم أن يفعل ذلك، ولكن هذا لا يقتضي الاستخفاف والاستهانة بمشارب الآخرين ونقدها وإضمار العداوة لها، فإنني ما قابلتُ ولا علمتُ مذهبًا أو دينًا يقول بأن توبيخ الآخرين والطعن فيهم والتشنيع بهم نوعٌ من أنواع العبادة.. ولا يُقبَلُ أبدًا أن يسبّ الإنسان أخاه الإنسان بحجة أنه لم يتبع منهجه الفكريّ.
إن كلًّا من السمع والبصر والفؤاد مسؤولٌ يوم القيامة عن أيِّ حكمٍ لم يقم على دليل قطعيّ أو معلومة ثابتة، وسيشهدون -حفظنا الله- على صاحبهم في ذلك اليوم.
ومع الأسف فإن سوء الظن هو واحدٌ من أكبر أمراض العصر وأكثرِها انتشارًا، وتختلفُ أنماط الناس في كيفية التعامل معه؛ فمنهم من يكشف عن هذا المرض الذي يعتلج في داخله صراحةً وعلانيةً، ومنهم من يُطلق أفكاره ومشاعره السلبية من وراء الأبواب المغلقة.
وقد يتعرض لمثل هذا الهجوم والاعتداء مَن نذروا أنفسهم للخدمة ابتغاء مرضاة الله تعالى، فقد لا يكترث الآخرون ممن يسيئون الظن بالخدمات الجلية التي يقومون بها، أو يفتشون عن أهداف ونوايا مختلفة من وراء كل هذا، فلو أن أرباب الخدمة تعاملوا مع هؤلاء بنفس المعاملة فقد ارتكبوا أيضًا نفس الخطإ.
ما يقع على الإنسان هنا هو ألا يتسرّع في إصدار الأحكام على كل حادثة يشاهدها، وأن يسعى أولًا إلى التأكد من صحة ما شاهده.
وليس من الصحيح تقدير الخدمات بالكمّ والمظهر الخارجي، فمثلًا قد تكونون أقمتم ألفَ مدرسةٍ في أماكن مختلفة من العالم، على حين لم يوفَّق غيرُكم إلا إلى بناء خمس مدارس فقط، فإن قلتم حينها: “ما قيمة هذه الخمس بجوار الألف؟!”؛ فقد وقعتم في ذنب عظيم، فأنتم لا تعلمون! فلربما كانوا مخلصين أكثر منكم عندما قاموا بهذه الأعمال! فذرّةٌ من عمل مخلص تفوق أطنانًا من الأعمال التي لا إخلاص فيها.
وعلى ذلك يجب عدم الاستخفاف بأي خدمة، أو الاستهانة بها، ولا بد من إحسان الظن بكل من يسعى في سبيل الله لخدمة الإنسانية. أجل، يجب على الإنسان أن يكافح دومًا حتى لا يعتري قلبَه سوءُ الظن، وأن يضع سدودًا منيعة أمام الأحاسيس السلبية في الداخل، وأن يُلزِم نفسه دائمًا بحسن الظن في الآخرين؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: “حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ“[3].
أحيانًا قد تقع العينُ على بعض الأمور، ولكن لا تعني رؤية الإنسان للشيء إدراك حقيقة ما يراه دائمًا.
الجهاد الأكبر
لا ريب أن حسن الظن بحق الآخرين يأتي بالثواب والخير العميم؛ وذلك لأنه لا يسمح للوساوس الشيطانية والنفسانية والجسمانية والحيوانية بأن تجعلنا نصدر أحكامًا خاطئة إزاء أحوال الآخرين وتصرفاتهم، بل يساعدنا على مكافحتها والنيل منها، فاكبَحُوا جماحَ المشاعر السلبية في داخلكم، وغضوا الطرف عن عيوب الآخرين بأن تعطوا إرادتكم حقّها؛ بمعنى أن تصارعوا أنفسكم وتجاهدوها، فبينما سمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم جهادَ الأعداء الجهادَ الأصغر أطلق اسم الجهاد الأكبر على الجهاد الداخلي الذي يحمل النفس على الاستقامة؛ لأن جهاد العدو عابرٌ مؤقت، أما جهاد الإنسان نفسه وأهواءه ورغباته وأحاسيسه السلبية فهو دائم مستمر، فربما يضطر الإنسان إلى مجاهدة هذه المشاعر السلبية في اليوم مائة مرة؛ وهذا يعني أنه في حالةِ حربٍ دائمةٍ مع نفسه.
على الإنسان ألا يصدِّق كل ما يسمعه، وأن يذعن لأوامر ربه، وأن يفتش ويدقق في مصدر الخبر المتناهي إليه، وفي خلفياته ومدى صحته؛ حتى تتبين له المسألة بوضوح.
وسوء الظنّ هو أحد أعدائنا في هذه الحرب التي لا بد من شنِّها، وثمة عوامل ودوافع أخرى تثير هذا الشعور؛ منها بعض المعاملات السيئة التي يُخاطب بها الإنسان، أو بعض الأخطاء التي يشاهدها، أو ما يتعرض له من الأذى والمشاكل؛ فكل ذلك سببٌ في إثارة شعور سوء الظن، وما يقع على الإنسان عندما يتحرك لديه هذا الشعور هو أن يعمل على قمعه، سواء بإلقاء صخرة ثقيلة فوقه، أو بالقفز عليه، أو بهضمه ببعض الإنزيمات المعنوية… المهم هو القيام بما يجب، والبحث عن وسيلة للحيلولة دون ظهور هذا الشعور.
سوء الظن عبارة عن قناعة وتخمين سلبي لا يعتمد على معلومات قاطعة بحق شخص ما.
وخلاص الإنسان من سوء الظن منوطٌ بإنكار الإنسان ذاته من جهة ما، يقول مفخرة الإنسانية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي عَيْنَيَّ صَغِيرًا وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرًا“[4]، فلا بد هنا أن نسترشد بكلماته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مهما رأى نفسه صغيرًا فهو كبير عظيم، وهو لم يطلب أن يكون في أعين الناس كبيرًا لذاته، وإنما من مقتضى دعوته وما يحمله من رسالة إلهية قدسية، أما أنتم فعليكم أن تقولوا: “اللهم اجعلني في عيني صغيرًا، وبإخلاصي، وابتغائي رضاك، وخدمتي ساعيًا مجتهدًا”.
الوظيفة التي تقع على عاتق المؤمن هي حسن الظن قدر الإمكان، وتجنب سوء الظن
فإن استطعنا أن ننكر ذاتنا خمسين مرة في اليوم فلنفعلْ، وعند ذلك لن نشتغل بعيوب غيرنا، ولن نسيء الظن بهم، فلو كان لدينا بعض الفضل فليذكره الآخرون، أما التشوف لشيء يتعلق بذلك فهو مرضٌ خبيث، ولو فكّرنا في سلبياتنا قبل سلبيات غيرنا فلن نرمي الآخرين بالباطل ولن نتورط في سوء الظن، أما إذا لم ينظر الإنسان إلى عيوبه، ولم ينشغل بحصرها فسيظل طوال عمره يبحث عن العيوب فيمن حوله؛ ولن يصل أبدًا إلى المذنب الحقيقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] يطلق مصطلح “التنظيمات” على مجموعة الإصلاحات التي أدخلها السلطان عبد المجيد في عام (1839م)، وقد انتهى عهد التنظيمات بإغلاق مجلس النواب عام (1878م).