Reader Mode

سؤال: كيف يمكننا أن نعوّد إنساننا على القراءة؟

الجواب: هناك كلمة يرددها الجميع حتى أَلِفَهَا السامعون من كثرةِ سماعِها فَأَضْحَتْ لا تُحْدِث في القلوب وقعَها المناسب لمعناها ألا وهي: ﴿اقْرَأْ﴾ (سُورَةُ العَلَقِ: 96/1)، أول أمر في الإسلام.

اقرأ: يعني تعرّفْ على الماهيّة الإنسانيّة، ودقّق النظر في كتاب الكون، واقرأ القرآن الذي هو ترجمانٌ لكل ذلك… اطّلع على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوصل إلى التركيبات الجديدة، وافحص مرات ومرات النتائج التي توصلت إليها.

 ابحث في جميع التجليات الدالّة على الوحدانية، ارتقِ كلَّ لحظةٍ درجةً في مراحل المعرفة، واقرأ باستمرار قائلًا: “هل من مزيد؟”بظمإ لا يرتوي بأي شيء.

 “ما عرفناك حق معرفتك يا معروف”

إن من يحاول أن يقرأ هذا الكتاب وماهيةَ ذلك الإنسان في ضوء البيانات النورانية للنبي صلى الله عليه وسلم يتعمّق في عالم القلب تعمّقًا تتضاءل إزاءه المحيطات، عند ذلك ندرك حقيقة: “ما عرفناك حق معرفتك يا معروف”، وتصبح بالنسبة لنا كَعَين اليقين، ونصِلُ مكانةً “العجزُ فيها عن الإدراك إدراكٌ”.

 من أهمّ الضّرَبات التي مُنينا بها أنهم أبعدونا -بأساليبهم الخاصّة- عن ماضينا وتاريخنا وثقافتنا وجعلونا غرباء عن عالم الكتاب الخاص بنا.

إنني أرى بقناعتي المتواضعة أن عالَـمَنا قد تجاهلَ أيضًا هذا الأمر الإسلامي، ولقد استخدمتُ هذا التعبير؛ يعني “عالمنا”؛ حتى لا يُظنّ أنني أقصد الدولة التي نعيش فيها ليس إلا؛ لأنني أعتبر كل بلادنا قديمًا عالمـًا لنا. أجل، إن عالمنا عالمٌ عظيمٌ يضمّ بين جناحيه عديدًا من الدول مثل مصر والسودان والمغرب وتونس والجزائر وكل بلاد المغرب العربي وبخارى وسمرقند وطشقند وجميع دول آسيا الوسطى وغيرها من البلاد الكثيرة التي رفرفت في آفاقها الروح المحمدية وتمتعت قرونًا بالعزة والشرف.

 إن “إنساننا”هو تلك الجماعة المباركة التي تربّعت على القمة في عالمنا المنفتح على العلم والمعرفة فأبهرت غيرها من الأمم الأخرى.

 أبعدونا عن ماضينا وتاريخنا

بعد أن قصمتْ الحملات الصليبية ظهْرَ هذه البلاد وقعت فريسةً لاعتداء الأفكار الإمبريالية واحتلالها، ورُبما استطعنا بعد مدة أن نتغلَّب على أولئك المحتلّين ونخرجَهم من أرضنا إلا أنهم قاموا خلال الفترة التي جثموا فيها على صدورنا بتربية أشخاص ضعفاء الشخصية، اسْتَلَبوهم من بيننا، ثم أطلقوا سراح أنصار أفكارهم بيننا، وقام هؤلاء بدورهم بتربية أجيالٍ تكفلُ لهم عدم انقطاع الفساد من أسلافهم، فعلوا هذا اعتمادًا على خطّةٍ مسبقة و”أمورٍ دُبِّرت بِلَيل”، حتى أنتجت أعمالُـهم أعمالًا أخرى تليها، فتتابعت التخريبات تلوَ بعضها متعاقبة.

فنشأ عالمٌ فكريٌّ خاصّ بهم، وبهذا دحروا الأنشطة الفردية المتنوّعة التي قام بها إنساننا، لدرجة أنه قد بدا اليوم من الصعب، بل من المستحيل أن نعود إلى عالمنا الروحي ونتوحد معه، ونُعيد ذاتيّتنا إلينا ما دمنا لم نستطع محوَ كلّ هذه الأفكار.

اقرأ: تعني تعرّفْ على الماهيّة الإنسانيّة، ودقّق النظر في كتاب الكون، واقرأ القرآن الذي هو ترجمانٌ لكل ذلك.

إن من أهمّ الضّرَبات التي مُنينا بها أنهم أبعدونا -بأساليبهم الخاصّة- عن ماضينا وتاريخنا وثقافتنا وجعلونا غرباء عن عالم الكتاب الخاص بنا؛ وبذلك حرموا جيلًا من مكتسبات القرون وخبراتها، ولم يكتفوا بهذا فحسب، بل أطلقوا سراح الأنشطة الهدامة في جميع المجالات، وملئوا قلوب الشباب بالقضايا الشهوانية، وجعلوهم لا يفكرون بغيرها، وسرعان ما استولت على الأجيال فكرة “البوهيمية”، إلى أن أغرقتهم في دوّامتها، ورغم ذلك لم يبرز أحدٌ ويتجرّأ على الوقوف في وجه هذه المصيبة، أو أن معظمَ من يشغلون منصبًا يستطيعون من خلاله مواجهتها كانوا سعداء من حالهم، ولذا لم يحركوا ساكنًا.

————————————————-

المصدر: محمد فتح الله كولن، الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، صـ 127-129.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.