Reader Mode

سؤال: هل توجد مشارب ومدارس مختلفة في الإسلام؟، وهل حدث مثل هذا الخلاف بين الصحابة الكرام؟، وما الفكر الذي يوحّد بينها؟.

الجواب: المشرب كلمة تأتي من جذر “الشُّرب”، أما المعنى الدارج لدى العامة فهو يُطلَقُ على أحَدِ فروع الحقيقة الواحدةِ جرّاءَ اختلاف الناس في فهم فروعها، لذا يمكننا اعتبار اختلاف الآراء والأفكار في الدعوة إلى الإسلام والإيمان والقرآن على أنها مشاربُ مختلفة للحقيقة الواحدة، فالهدفُ موحّدٌ ومشتركٌ للجميع ولكن الطرق الموصلة إليه مختلفة.

يجب تأييد ومساعدة كلّ مَن يخدم الدين والإيمان ويعمل على إعلاء شأن الإسلام سواء أكان في المشرق أم في المغرب، وأيًّا كان مشربه.

لذا يجب تأييد ومساعدة كلّ مَن يخدم الدين والإيمان ويعمل على إعلاء شأن الإسلام سواء أكان في المشرق أم في المغرب، وأيًّا كان مشربه، صحيحٌ أن الطرق والمسالك قد لا تكون نفسُها، ولكن المهمَّ هو توحيد الهدف والغاية.

أسباب التنوع

هناك أسبابٌ عديدة تؤثّر في اختلاف هذه الطرق، فالبيئة التي ينشأ فيها الإنسان، والثقافة التي يحصّلها لها تأثيرٌ كبيرٌ فيه، كما أن لكيفية تجلي أسماء الله الحسنى تأثيرًا فيه أيضًا، لذا فظهورُ مشارب مختلفة أمرٌ طبيعي، وقد ظهرت في السابق ولا تزال تظهر.

لم يكن مشرب الكرّار عليّ كرم الله وجهه كمشرب الصدّيقِ أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن مشرب الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كمشرب أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، بل كان هناك اختلافٌ كبير بينهما، مع أنهما يتمتّعان بنفس الشهامة والشجاعة ومع أنهما تلاميذ المدرسة النبويّة نفسها، فعُمر رضي الله عنه كان رجلَ دولة ورجلَ إدارةٍ وتنظيمٍ من الطراز الأول، بينما كان أبو ذر رضي الله عنه ذا مشرَبٍ انفراديٍّ.

الحقيقة أن محاولة توحيد المشارب تصطَدِم والفطرةَ الإنسانية؛ ذلك لأن الذين خُلقوا بطبائع مختلفة لا يمكن أن يفكروا بطريقةٍ موحّدة.

ويُفهم من هذا أنه حتى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اجتاز كلّ الأذواق والمشارب، ووحّد الأديان وألّف بين المسالك لم تَنْمحِ تمامًا الأذواق والمشارب المختلفة، ولم يحاول أحدٌ القيام بمثل هذه المحاولة، والحقيقة أن محاولة توحيد المشارب تصطَدِم والفطرةَ الإنسانية؛ ذلك لأن الذين خُلقوا بطبائع مختلفة لا يمكن أن يفكروا بطريقةٍ موحّدة، وطبعًا هناك احتمالٌ قويٌّ لظهور مصاعب وتعقيدات ومشاكل عديدة عند محاولة فرض التوحيد بين المشارب بالقوة.

————————————

المصدر: محمد فتح الله كولن، الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، صـ103-104.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.

 

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts