“مشاعل النور” هم من يقومون بمهمة التبليغ، “غاية إرسال الرسل”. وتقع علي عاتقهم وظيفةٍ حياتيّةٍ: شرحُ المسائل التي كُلّفوا بها، وتبلغيها للناس. ومن مهامهم: إعادة النظر في المناهج، القديم منها والجديد، وتطبيق المبادئ وفق مقتضيات الواقع المعاصر مع اليقين بأنها تفضي إلى نتائج فاعلة.
من مهام “مشاعل النور”: إعادة النظر في المناهج، القديم منها والجديد، وتطبيق المبادئ وفق مقتضيات الواقع المعاصر مع اليقين بأنها تفضي إلى نتائج فاعلة.
ما الخصائص التي لا بدّ من مراعاتها عند تعلمنا للدين وتعليمه لغيرنا، وما الذي يجب أن يكون عليه منهجُنا في التبليغ؟. الإنسان تلميذُ الحياةِ الدءوب؛ فالحياة بالنسبة له هي أهم المدارس وأخطرها، والمدرسة بمعناها الخاص لا تتعهّد أو تتكفّل إلا بمسائل فرعيّة في الحياة، والأساتذةُ والشيوخُ ذوو الخبرات فيها يمحّصون ما اكتسبوه من خبرات ويحاولون نقلَها إلى تلاميذهم، بيد أن كل فردٍ في مدرسة الحياة العامة هو في الوقت نفسه تلميذٌ وشيخٌ وأستاذٌ، فهو يُعلّمُ ويَتعلّمُ باستمرار. من المعلوم أن رؤية الإنسان وكينونته وسلوكه أمور محكُومة بتنشئته وتربيته.
إن معرفة الله وعبوديّته هي غاية الفطرة والهدف من الخلق.
إن المسائل التي يتمّ تعليمها أو تعلُّمها في المدارس لا تُشكّل إلّا جزءًا من منظومة هذه الوظيفة، ولا يستطيع الإنسان بالمعلومات التي اكتسبها هناك إلّا أن يرقى إلى مستوى معين، غير أن نظرته إلى الحوادث والأشياء تتغير وتتطوّر، ويتّسع أفقه، فيتمكن من حمل وظيفة الإرشاد والتبليغ إلى أندادِه وأَتْرابه، لكن هذه المهمة لا تتوقّفُ عند ذلك، بل سيتعلم بعد انطلاقه في الحياة أشياء محاولًا تقديم ثمار تجاربه التي حصل عليها إلى من حوله، ولذا فالإنسان مضطرٌّ أيًّا كان عمره أو مستواه إلى شرح المسائل التي تعلمها إلى الآخرين، وهذه هي أهمُّ وظيفةٍ حياتيّةٍ بالنسبة له.
عرفوا الناس إلي ربهم، وكونوا “مشاعل نور” تنير ظلمات الدروب.
غاية الوجود:
إن معرفة الله وعبوديّته هي غاية الفطرة والهدف من الخلق. وتقتضي العبودية بعضَ الأمور كالإنصات والشرح والتسليم والمعايشة وتوجيه أمور الحياة إلى العبودية. ومن ناحية أخرى إلى صفاء الأفكار والوصول بالإنسان إلى أفق التفكر في خالقه. ولذا فهي مهمّة ثقيلة، وجليلة مقدّسة: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 51/56). فالعبودية هي الغاية من خلق الإنس والجن، ويتنافس الجميع في إطار مفهومها، فمنهم من يتعثر ويظلّ في الطريق لا يبرحه، ومنهم من يرقى ويرقى، فيكون جديرًا بالدخول في عداد الزمرة التي حازت أعلى وأعظم المقامات”. ويقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (سُورَةُ البَقَرَةِ: 2/21)، يعني: “اعبدوا ربكم، فهو من خلقكم وخلق الذين من قبلكم، بيده سبحانه الخلق والأمر، فهو من أوجدكم، وخلق فيكم في الوقت ذاته وسائل الخلق من عناصر وجُزَيئَات وجُسيمات الخ. وعليكم عبادة ذلك الخالق الذي أحاطت قوته بكل شيء، وأخذ الزمن بعين الاعتبار وجعله عبرةً وعظةً؛ حتى يتسنى الدخول في دائرة التقوى، فإن فعلتم ذلك أحسنتم تقويمَ حياتكم، وكنتم أكثرَ الناسِ تقوًى وتوقيرًا لله، ووصلتم إلى الغاية السامية من حياتكم.
اعبدوا ربَّكم وتوجَّهوا إليه توجُّهًا يليقُ بقدر توجُّهِهِ إليكم، فهو من توجَّه إليكم وأسبغَ عليكم نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنةً.
عرّفوا الناس إلي ربهم:
إن تأملتم الأمورَ جيدًا ستُدرِكونَ الحِكَمَ والمصالِحَ كيفَ تُحيطُ بكم وتهبُ لكم الأرزاق، تأملوا جيدًا فيما وهبه لكم من رزق مادي ومعنوي؛، وحينذاك تدركون جيّدًا أن كل هذه الأرزاق منه سبحانه وتعالى”. فاحمدوها، وعرفوا الناس إلي ربهم، وكونوا “مشاعل نور” تنير ظلمات الدروب.
————————————-
المصدر: محمد فتح الله كولن، الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، صـ 15-18.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.