Reader Mode

القرآن هو الضوء اللامع للكلمات والحروف في عالم الأزل والأبد. هو صوت الملكوت الذي يخاطب فكر الإنس والجن ومشاعرهما. وعندما أتى اليوم الموعود وتحول إلى لؤلؤة خارقة الجمال في أجمل صدفة وأنقاها، رأى فيه أبطال البلاغة والأدب جمالا لا يبهت، وحسنا لا يزول. وسيبقى هذا الكون الكبير الـذي هو معرض للجمال والفن والألوان الإلهية المتناسقة والمتناغمة موطن الخوف وبلد الرعب تجول فيه العفاريت والأرواح الشريرة، مع أنه – أي الكون- يُعَدّ كتابا يفشي كلُّ سـطر فيه سـرا من أسرار الملأ الأعلى، وستبقى سطور هذا الكون وأوراقه مبعثرة ومتشتتة حتى يأتي اليوم الذي يتحول فيه القرآن إلى نور ينهمر على وجه هذا الوجود.

عندما كان القرآن يتنـزل إلى الدنيا بموجات مختلفة من الأنـوار لم يَصرِف أصحاب القلوب النيرة نظرَهم عنه أبـدا ، بل ارتبطوا بـه بكل جوارحهم وأرواحهم.

وانهمرت الأنوار على عيون القلب

ويُجمع الناسُ -عدا أصحاب الأفكار المسبقة- أنه عندما أشرق القرآن كشمس ساطعة، تبددت الغيوم السـوداء التي كانت تجثم على الدنيا، وظهر الجمال الباهر للوجود، وانقلبت جميع الأشـياء إلى فقرات وجمل وكلمات لكتاب ممتع ومؤنس ومبهج لقارئه. عندما رَنّ صوته انهمرت الأنوار على عيون القلب، وبدأت المشاعر التي فارت في الأرواح وتوهجت، والألسنة التي أصبحت ترجمانا لهذه المشاعر بإنشاد أناشيد النور.

أجل!.. فاعتباراً من اليوم الذي أضيئت به العيون والقلوب وتنورت، كم من لغز في الكون كان ينتظر الحل منذ آلاف السـنوات، وكم من مشاكل معقدة متداخل بعضها مع البعض الآخر كانت تنتظر الحلول حلت الواحدة منها إثر الأخرى، وظهرت العلاقة الصحيحة بين الإنسان والوجود والخالق واضحة وضوح البدر التمام، ولبست كل الألغاز والمعميات لباس المعاني وانتظمت في مدارات الحكمة.

القرآن هو الضوء اللامع للكلمات والحروف في عالم الأزل والأبد. هو صوت الملكوت الذي يخاطب فكر الإنس والجن ومشاعرهما.

القرآن قمة الفكر

القرآن هو قمة الفكر المتين والصحيح، وأساس التعبير الدقيق، وقاعدة التعبير المنطقي. وكما كان هذا الفرقان العظيم سيد الكتب السماوية وغير السماوية كان المخاطب الأول له سيد الأنبياء والمرسلين. الكتب السابقة جاءت لكي تضع إشارات على طريقه وأعلاما، أما الكتب التي جاءت بعده فلكي تقوم بشرحه ووضع الهوامش والحواشي، كلٌّ حسب خريطة روحه وغنى ذلك الروح. عَرَفَه مَنْ قَبِلَه بصورته التي بَشّر بها الأنبياء هذه الرسالة، وعرفه الذين جاءوا مِن بعده بصورته المنـزلة الملموسة، ورأوا التأثير الكبير الذي أحدثه، والانقلاب العظيم الـذي حققه، فانحنوا أمام بلاغته التي لا تضاهى، واعترفوا بأنـه سـلطان الكلمة والإعجاز البلاغي.

وعندما كان القرآن يتنـزل إلى الدنيا بموجات مختلفة من الأنـوار لم يَصرِف أصحاب القلوب النيرة نظرَهم عنه أبـدا، ولم يلتفتوا عنه، بل ارتبطوا بـه بكل جوارحهم وأرواحهم. أجل!.. بينما كان ينـزل من السماء كشلال ليملأ القلوب العطشى، فتح أصحاب القلوب الواعية صدورهم له ولم يضيعوا قطرة واحدة منه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: فتح الله كولن، ترانيم روح وأشجان قلب، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ، طـ4، ٢٠١0، صـ 15 وما بعدها.

ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر .