من المهم معرفة المستوى الثقافي والأفق الاجتماعي لـمَن تخاطبه لكي تستطيع التحدّث معه بالمستوى الذي يستطيع فهمه، فالواصل إلى مستوًى ثقافي معين لا يستسيغ سماعَ شيءٍ ممّن هو أقل ثقافةً منه، بل يبدي ردّ فعلٍ سلبي تجاهَه، ويصعب في أيامنا الحالية التي شاعَ فيها العجبُ بالنفس والأنانيةُ -ولا سيما عند من قرأ وحصّل بعض المعلومات- أن تقنعه أو تُفهمه شيئًا ما، ولكي يتمَّ الوصول إلى نتيجةٍ مُرضية مع أمثال هؤلاء يجب أن يقوم بمخاطبته مَن هو في مستواه وألا يوجّه الكلام إليه بشكلٍ مباشرٍ.
من المهم معرفة المستوى الثقافي والأفق الاجتماعي لـمَن تخاطبه لكي تستطيع التحدّث معه بالمستوى الذي يستطيع فهمه.
خاطبوهم بلغة يفهمونها
ينبغي استعمال لغة يفهمها المخاطب، فالتشوّهات التي أصابت الفكر في عصرنا وانعكاساتُها على لغتنا أدّت إلى تخريب هذه اللغة؛ حتى إننا لا نستطيع اليوم القول إن الأجيال التي تعيش داخل حدود الوطن الواحد تستعمل اللغة نفسها، والحقيقة أن محطات الراديو والتلفزيون وكذلك الصحف تستطيع تقديم خدمات إيجابية في توحيد هذه اللغة. ولكن الجماعات المختلفة التي انساقت وراء أيديولوجيات مختلفة تستعمل أساليب متباينة أو أشكالًا متمايزة من اللغة في مجلّاتها وكتبها وصحفها، فلم يستطع الجيل المسكين أن يتخلّص من عزلته، فالمصطلحات المختلفة والطرق المتمايزة المستعملة في اللغة شكّلت هُوّات سحيقةً بين الأجيال.
فمن الواجبِ معرفةُ وتحديدُ اللغةِ والأسلوبِ المناسِبَين لمخاطبة هؤلاء بهما، وإلّا كان الحوار مع هؤلاء شبيهًا بحوارٍ يجري في عجبٍ وحيرةٍ بين غريبين لا يعرفان بعضَهما، أي يجبُ الاهتمام باستعمال الكلمات والمصطلحات التي توضِّحُ الغايةَ والفكرَ أفضلَ إيضاحٍ.
جهّزوا أجوبةً مُقْنِعَةً
علينا أن نتضلّعَ من العِلمِ بشكلٍ جيّدٍ حيالَ ما نريد تبليغَه وإفهامَه، وأن نُجهّز أجوبةً مُقْنِعَةً للأسئلة المتوقّعة، وإلّا فإنّ خطأً صغيرًا أو هفوةً يسيرةً ستقلب كلّ شيء رأسًا على عقب، أما إن كنّا جاهلين فظاظًا فإن هذا سينعكس على الحقائق السامية التي نريد الدفاع عنها ويهون شأنها لدى مخاطبنا وتفقد قيمتها فتتشكل نظرةٌ محتلفة لدى المخاطبين تجعلهم ينأون بأنفسهم عن الدخول معنا في أيّ حوار جادّ.
كم من شابٍ انغمرَ في وَهْدَة الإلحاد نتيجةَ جهل المرشدين ونقصِ معلوماتهم.
ومن يتسبَّبُ في مثلِ ذلك يرتكبُ خطأً فادحًا مهما كان حسنَ النية، فكم من شابٍ انغمرَ في وَهْدَة الإلحاد نتيجةَ جهل المرشدين ونقصِ معلوماتهم، وقديمًا قيلَ في المثل الشعبي “الطبيب الجاهل يذهب بالروح والإمام الجاهل يذهب بالدين”، والحقيقة أن المرشد الجاهل أكثر ضررًا من الطبيب الجاهل، لأن جهل الطبيب وضرره محصور بالحياة القصيرة الأمدِ في الدنيا، بينما يمتدّ جهلُ المرشِدِ ليصلَ إلى تخريب الحياة الأبدية الخالدة.
اتركوا أسلوب الجدال
يجب الابتعاد عن أسلوب الجدل ومحاولة الإفحام والإلزام، فهذا الأسلوب إضافة إلى أنه يثير مشاعر الأنانية لدى الفرد فإنه لا يفضِي إلى أي نتيجة إيجابية، فإثارة نور الإيمان في القلب متعلِّقٌ بدرجة ارتباطِ هذا المرشد بخالقِ الإيمان وهو الله تعالى، فإن المناقشات الحامية والمناظرات التي تتمّ حسب أسلوب أهل الغفلة إذا لم تَتَغَيَّ رضا الله -وإن أدّتْ إلى التفوّق في الإفحام والإلزام- فلنْ يكون لها أي تأثير إيجابي، ولا سيما إن كان معروفًا مسبقًا حدوث مثل هذا النقاش والجدال وتم التهيؤ له بأعصابٍ متوتّرة ومنفعلة. فأمثال هؤلاء لا يحضرون كمناظرين، بل كخصوم ويجلسون كحاقدين ويتركون النقاشَ والغضبُ يملأ قلوبهم، وقد وطّنوا أنفسهم على البحث عن أجوبةٍ حول المسائل التي تُقَدَّمُ إليهم، ومعلوم ما يحدث بعد هذا… سيقومون بمراجعة أصدقائهم وبتقليب الكتب وطَرْق كلّ باب وسبيلٍ لتهيئة الأجوبة للمسائل والأمور التي حاولنا أن نُفهمها له، وهكذا يكون قد خطا خطوةً أخرى تزيد من إنكاره، أي إنّ المرشد في هذه الحالة يحصل على نتيجةٍ معاكسةٍ تمامًا لما أراده.
——————————————
المصدر: محمد فتح الله كولن، الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص: 97-99، بتصرف.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.