Reader Mode

كيف نستطيع صيانة أنفسنا من أخطار الحياة ونزوات الشباب؟. هذه من أهم مشاكل إنساننا الحالي، فنحن في غمار الحياة يرزح معظمنا تحت ضغط فورة الشباب التي تؤثّر على مشاعرنا السامية، وقد أصبح من الصعوبة بمكانٍ تطبيق الحقائق الإسلاميّة السامية كما أرادَ لها النبيّ صلي الله عليه وسلم. ولكن مجاهدة النفس والشيطان فيها من الخير ما فيها؛ فكلما زادت الصعوبات وادلهمّت الخطوب كلّما زادَ ثواب العاملين وأجرهم.

الصحابة نجوم هداية

إن الآثام التي تزعجنا الآن كانت موجودةً أيضًا في عهد الصحابة رضوان الله تعالى عنهم؛ فالنساء كنّ يَطُفْنَ حول الكعبة عاريات، وكان الخمر والرشوة والميسر والربا ينخر في روح المجتمع ويُنهِكُه، ولكن الصحابة أدبروا عن هذه الفواحشِ متوجّهين إلى الإسلام، كانوا هم أيضًا بشرًا؛ لكنَّ تَضْحيتهم بكل أهواء النفس هي التي سمت بهم وجعلتهم أعظم العظماء، لقد هجروا الفواحش جميعها في ذلك العهد واختاروا سلوك حياةٍ طاهرةٍ نيّرة وساروا خلف الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم على الرغم من جميع المخاطر التي كانت تحفّ بهم؛ فاكتسبوا فضائل كبيرة واستحقّوا بذلك أن يكونوا نجوم هداية لمن بعدهم.

 الآثام التي تزعجنا الآن كانت موجودةً أيضًا في عهد الصحابة رضوان الله تعالى عنهم؛ لكنهم أدبروا عنها متوجّهين إلى الإسلام

وهذه المهالك والمخاطر موجودة اليوم أيضًا؛ لذا فقد دُعي مفكّر القرن العشرين “بديع الزمان سعيد النُّورسي” الذي كان يدعو الناس إلى حقائق الإيمان والقرآن في مجلسٍ روحاني بـ”رجل عصر النكبة والهلاك”، ولو نادى الرسول صلى الله عليه وسلم جيلَ هذا القرن لقال: “تعالوا! تعالوا يا جيل المهالك والمخاطر”؛ لأننا إن تفحصنا السوق والشارع والحياةَ الاجتماعية والتجارية والفرد والعائلة والمجتمع والمدرسةَ المكلّفةَ بمساندة كلّ هذه الوحدات الاجتماعية، وتناولنا جميع الهيئات والمؤسسات واحدةً واحدةً، وقمنا بإصدار تقييماتٍ حولها؛ لَكان هناك وصفٌ واحد فقط ينطبق على الجميع وهو وصف “بائس، في حالة يُرثى لها”.

أينما ذهبت لا تستطيع الحيلولة دون التلوّث ببعض الآثام، ولا تستطيع أن تعبر في الحياة الاجتماعية من جهة إلى أخرى دون أن تنثلم روحك عدة مرات، ودون أن تهتزّ حياتك القَلْبية.

 العيش اليوم وفقًا للمنهج الإسلامي أصبحَ أصعب من المشي على الجمر

 السلوى في المغانم

إننا نقيّم حالنا وفقًا لقاعدة “الغُنْمِ بالغُرْمِ”، ونجد السلوى في المغانم عن مغارمها، بل نفرح من ناحيةٍ ما؛ لأنَّ الأجرَ والجزاء يكون على قدرِ المصاعب والمصائب والبلاء، فإن كان الصحابة رضوان الله عليهم وُفِّقوا إلى تجاوز تلك الشروط الصعبة، فاستحقّوا أعلى المراتب؛ فإننا نأمل من صاحب الرحمة الإلهية سبحانه وتعالى أن يوفّق المؤمنين الحاليين ويعينهم كي يَصِلوا إلى السعادة نفسها.

 هناك أخطاءً ارتكبناها -دون قصدٍ- في زمن تزاحمت فيه الآثام وسَهُل الوقوع فيها، ولكن واجبنا هو ملازمة عتبة الرحمة والحضرة الإلهية، والاستمرار والثبات

فثمة خير يقوم به بإخلاص كل مؤمن حمل على عاتقه مهمّةَ خدمة دينه وأمته رغم كل ما وقع فيه من ذنوبٍ وعثرات، وتقديرًا لهذا لن يطردهم الربّ الكريم سبحانه وتعالى من رحمته.

نحن نقرّ ونعترف بتقصيرنا ونواقصنا، ولكننا في الوقت نفسه نأملُ أن يتجاوز الحقُّ تعالى عن تقصيراتنا بمقتضى رحمته الواسعة التي لا حدودَ لها، واعْترافُنا هذا يشير إلى نَدَمِنَا وتوبتِنا، والله تعالى يقبل الرغبةَ الصادقة في التوبة ولا يردّها.

—————————————————

المصدر: محمد فتح الله كولن، الاستقامة في العمل والدعوة، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص: 73-76.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts