لاقى حوار المفكر الإسلامي والداعية التركي فتح الله كولن مع الإعلامي المصري نشأت الديهي صدى واسعًا في وسائل الإعلام المصرية وعلى منصات ومواقع التواصل الاجتماعي وأفردت العديد من الصحف والمجلات مساحات واسعة من الحوار. الحوار أُجري مع الأستاذ فتح الله كولن ملهم حركة الخدمة، في منفاه الاختياري، بولاية بنسلفانيا الأمريكية.
وقد طرح الحوار إجابات للعديد من القضايا الخاصة بتوتر العلاقات بين مصر وتركيا، وآخر التطورات على الساحة السياسية التركية، بالإضافة إلى دور الإسلام السياسي في تشويه صورة الإسلام حول العالم.
وقد قام نشأت الديهي قبل أن يجري الحوار بجولة داخل المنزل الذي يقيم فيه الأستاذ كولن، وثبت له بما رآه منبساطة منزل الأستاذ كولن أن ادعاءات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأنصاره حول عيش كولن حياة الرفاهية لا تمتُّ إلى الحقيقة بصلة وخالية عن الصحة، حيث قال الديهي: “لم أجد أي مظاهر للبذخ أو الإسراف، وإنما وجدت حياة بسيطة زاهدة متواضعة، واطلعت على المكتبة الخاصة به، ولم أجد كتبًا في العلوم السياسية أو أي كتب ومؤلفات لها علاقة بالسياسة، وإنما وجدت مجموعة من الكتب الدينية الإسلامية المعتدلة، على عكس ما يزعم النظام الحاكم في تركيا بأنه يمتلك المليارات ولديه نزعات سياسية”.
وأضاف الديهي: “وجدت حياة متقشفة لدرجة لم أكن أتخيلها. وجدت تواضعا شديدا لم أكن أتوقعه. لذلك أقول لأردوغان: اتقِ الله”.
الداعية فتح الله كولن، الذي يعتبره أردوغان خصمًا له، بدأ حواره بالحديث عن العلاقات المتوترة بين مصر وتركيا، في الفترة الأخيرة، قائلًا: “لم أجد أي مسؤول مصري يتحدث بأسلوب سيء عن تركيا، وإنما أردوغان من بدأ بالعداء بعد ما وصف الرئيس المصري بفرعون عندما قال إن لكل فرعون موسى، دون أن يطلع على شخصيته ويتعرف عليه كما ينبغي”.
وأكد كولن أن الشعبين المصري والتركي لديهما رصيد كبير من محبة بعضهما لبعض، على عكس تصرفات النظام الحاكم في تركيا، معربًا عن أمله في عودة العلاقات المصرية التركية إلى سابق عهدها، قائلًا: “أتمنى أن تعود العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، ولكن أرى أنه من الصعوبة بمكان أن يتحقق ذلك بعد القطيعة الطويلة بين البلدين، بسبب القائمين على السلطة في تركيا المتقلبين بين هنا وهناك”.
وفيما يتعلق بالعرق الذي ينحدر منه أردوغان والفئة المحيطة به، قال: “المسيطرون على السلطة في تركيا ليسوا من أبناء الأناضول الحقيقيين، وإنما سمعنا أنهم جاءوا من الشمال، ولا يعرفون مبادئ وقيم الأناضول الأصيلة، ولم ينجحوا في هضم واستساغة تلك المبادئ والقيم، بل ضربوها عرض الحائط، واستغلوا الشعارات الدينية لضمان بقائهم في السلطة”.
وفي إجابة الأستاذ كولن عن مدى صحة دعم حركة الخدمة والأستاذ كولن لأردوغان وحزب العدالة والتنمية في بداية مسيرتهم السياسية، قال: “نعم لقد كنا ندعمهم، وقد جاء أردوغان إليّ ليستشيرني في مشروعه السياسي، قدمت له نصائح إيجابية، ولكنه ما إن جاء للسلطة بدأ استهداف حركة الخدمة، وأغلق المؤسسات التعليمية التابعة لها، بالرغم من أن تلك المؤسسات لا تحتوي على مظاهر شرب الخمر والسجائر والمخدرات وغيرها من المنكرات، والسبب الكامن وراء ذلك أنه أراد منها أن تخضع لأجندته السياسية الخاصة، إلا أن الحركة رفضت ذلك”.
أما عن فضائح الفساد والرشوة، المعروفة إعلاميا بفضائح 17-25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، التي تورط فيها أردوغان وعائلته وأربعة من وزرائه ومقربين منه، قال: “لا أعرف أيًّا من الذين يتهمهم أردوغان بالانتماء لحركة الخدمة، سواء في القضاء أو الأجهزة الأمنية، الذين أشرفوا على تحقيقات الفساد، وإنما من الممكن أن يكونوا من المتعاطفين مع الحركة وآرائها، وقد وجدوا أفكارها ملائمة وعقلانية”، مؤكدًا أن هدف أردوغان كان السيطرة على القوات المسلحة وإعادة هيكلتها أولاً لتحقيق لتحقيق أهدافه المشبوهة، وجاء بعده حملته الشعواء ضد حركة الخدمة”.
كما علق على آخر التطورات على الساحة السياسية في تركيا، وحالة التطاحن داخل حزب العدالة والتنمية وموجات الانشقاقات التي بدأت باستقالة وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، اعتراضًا على سياسات الحزب.
وقال: “الديمقراطية أفضل نظام للمجتمعات التعددية غير المتجانسة، مثل تركيا. أسلوب فرض المعتقدات والأفكار الذي يتبناه أصحاب الإسلام السياسي، من شأنه أن يخلق نزاعات واضطرابات في المجتمع كما يحدث في تركيا.
وأكد أن أردوغان ورفاقه المسيطرين على نظام الحكم في تركيا لا دراية لهم بالسياسة، قائلًا: “لقد قدموا خدمات للإسلام والعالم الإسلامي في البداية، ولكنهم استغلوا الشعارات والخطابات الإسلامية لإضافة إطار من الشرعية على فسادهم وسرقاتهم”.
وفيما يتعلق بالدستور التركي المثير للجدل، والي تطالب المعارضة في تركيا بتغييره، قال: “على تركيا وضع دستور يراعي كافة الآراء والمعتقدات، وأنصحهم بالاستفادة من الدستور الأمريكي الذي يحترم جميع الطوائف وآراء الجميع، وجعل حقوق المسلمين أساسًا بصفتهم يشكلون الأغلبية، مع الحفاظ على حقوق الأقلية، كما استفادت تركيا سابقا من الدستور الفرنسي.
وأضاف: “الدستور التركي الحالي لا يصلح لإدارة شؤون المجتمع. فالمجتمع التركي يتكون من أطياف وقوميات متعددة من أتراك وأكراد وشركس ولاظ، بالإضافة إلى معتقدات دينية مختلفة ومتنوعة بين كماليين وملحدين وربوبيين وعلويين وسنة وغيرهم. لا يمكن إجبارهم على رأي واحد وإنما يجب مراعاة حقوقهم ومعتقداتهم. يجب أن تعامل الآخرين كما تريد منهم أن يعاملوك”.
كما سأله الإعلامي نشأت الديهي عما إذا كان يفكر في زيارة مصر، فرد الأستاذ كولن، قائلًا: “أتناول العلاج كل نصف ساعة، خضعت لعملية جراحية منذ فترة، وكان لها أعراض جانبية. ولا يمكنني السفر بسبب حالتي الصحية”.
الديهي طلب منه توجيه رسالة لأردوغان، فقال: “إن أردوغان لا يصغي لأحد وبالذات لنا نحن. لديه أحكام مسبقة عنا. يتهمنا بالإرهاب وأنا شخصيًّا يرأس الإرهاب وأصدر في حقي أحكاما متعددة بالمؤبد؛ لذلك لا يمكنني أن أنصحه بشيء. لكن على المجتمع الدولي أن يتحرك كي يجعل أردوغان يتراجع عن استبداده وظلمه”.
وفي رسالة وجهها الأستاذ كولن للشعب المصري، قال: “المسار الحالي في البلاد جيد، ولكنني أتابع الوضع من الخارج، ولكن لست في موقع يسمح لي بالتعليق وكأنني أعاين الأحداث. إن أردوغان وحزبه يستغلون السمعة التي توارثوها من تاريخ العثمانيين، للتأثير في العالم الإسلامي. لكن مصر تستطيع أن تقدم نموذجًا أفضل للجميع، إذا حافظوا على التوازن؛ فالشعب المصري شعب عريق ويتمتع بذكاء عال. كما يتمتع بتاريخ استطاع الهيمنة على مقدرات الإنسانية وجعل مصر تحتل مكانة مهمة في التاريخ الإسلامي. الكثيرون في العالم الإسلامي ينظرون إلى مصر نظرة احترام ويتخذون منها نموذجا يقتدى به”.
وتحدث الأستاذ كولن عن الرئاسة المصرية قائلاً: “القيادة المصرية لديها من النضوج ما يجعلها يحدث طاقة جماعية تؤدي إلى تعاضد وتكافل بين الدول كافة، وخاصة في القارة الأفريقية وبعض بلدان العالم الإسلامي، إذا واصلت المسيرة في هذا الطريق. إن الشعب المصري، وكذلك من لم يفقدوا إنسانيتهم في تركيا، قادرون على تحقيق التوازن الفكري”.
وتابع كولن: “أعتقد أن هذه الفوضى التي تعم العالم ستستمر، ما لم ننجح في تأسيس نظام مثالي يستثير غبطة الإنسانية جمعاء. لكن ينبغي علينا أن نصر على المضي قدمًا في هذا السبيل. أظنّ أن الشعب المصري الحبيب وكذلك الذين لم يفقدوا إنسانيتهم في تركيا، قادرون على تحقيق ذلك، إذا نجحوا في تحقيق التوازن والاعتدال على المستويين الفكري والعاطفي، وأفلحوا في تشكيل نظام مثالي يُحتذى به على مستوى العالم”.