إن المجتمع كان قبل الإسلام صلبا للغاية، بل وحشيا ومتعصبا لعاداته ومعانِدا أشد العناد ومتهاويا بالأخلاق السيئة والعادات الفاسدة ، ثم تحول بحملة واحدة إلى جماعة أنموذجية بعقلها وقلبها وروحها ونَفْسها ، وليس هذا إلا معجزة باهرة للإسلام . فهؤلاء أنصَتوا للقرآن وتربوا بغذاء القرآن وعشقوا صاحب القرآن (جل جلاله) فإذا بهم يجدون أنفسهم في صعيد البناء والإعمار والإحياء بعوالمهم الشعورية والفكرية والحسية، لقد تبدلوا من أخمص القدمين إلى ذروة الرأس بحماسِ انبعاثٍ جديد، واجتَنَبوا الأخلاق السيئة والعاداتِ القاتلة، وحارَبوا -بلا هوادةٍ- جميع الرغباتِ الجسمانية غير المشروعة بمخالفتهم الدائبة للنفس، وكممثلين فضلاء لنظامٍ فاضل عَقَدوا العزمَ على “إحياء الآخرين”، ففَضَّلوا “إحياء غيرهم” على حياة أنفسهم، وكرسوا حياتهم لإسعاد الآخرين، وظلوا يقظين وحذرين دائما حيالَ أيِّ انزلاق، بملاحظة احتمال الضعف البشري.
نحن أبناء الإسلام؛ أَنْصَتْنا إليه في تنهيدة الأمهات في بيوتنا، واستمعناه في صرير المهاد، ورضعناه من أثداء أمهاتنا، وتنفسناه في هوائنا. كان الإسلام أبدًا في شغاف قلوبنا، ولم يقف غريبًا عنا بتاتا.
وفي حال تعثُّرهم بالمعاصي توجَّهوا إلى الحق تعالى بالتوبة والإنابة والأوبة بقلوبٍ خالصة أشد الخلوص، وتحروا على الدوام عن سبل الارتقاء العمودي، فعاشوا مبرمَجين على التحليق في الشواهق. لم يستسلموا قط بل صمدوا شامخين حيال أي انسحاق ينشأ عن قلتهم، أو وحشةٍ تنبع من الغربة والوحدة، أو تعرُّضِهم -بين حين وآخر- لأنواع الاضطهاد والتخويف والغبن والظلم والحرمان. وإلى جانب هذا المستوى من المقاومة الصامدة تَصرَّف كل واحد منهم وكأنه “فدائيُّ المحبة”؛ فاحتضنوا كل أحد وفتحوا لهم صدورهم واحترموا أفكار الآخرين وسعوا من أجل تحقيق المتطلبات اللازمة للارتقاء إلى مستوى “الإنسان الكامل”. صنعوا عالمًا جديدًا كل الجدة بالمعارف المنسابة إلى أرواحهم من القرآن والسنة، وحققوا على أرض الواقع قيمَهم الإنسانية الكامنة فصاروا قدوة للآتين من بعدهم.
بالعبودية للحق انعتق أسلافنا من العبودية للهوى، والعبوديةِ للقوة، والعبوديةِ للشهوة، والعبوديةِ للشهرة وغيرها من أنواع العبوديات ، وتجردوا من السفالات التي تُلقي بالإنسان في أحضان البؤس.
أولئك هم جذورنا الذين توجهوا إلى الخالق ووجدوا قبلتهم الحقيقية؛ فبالعبودية للحق انعتقوا من العبودية للهوى، والعبوديةِ للقوة، والعبوديةِ للشهوة، والعبوديةِ للشهرة وغيرها من أنواع العبوديات… وتجردوا من السفالات التي تُلقي بالإنسان في أحضان البؤس. نحن كنا أولئك، ونحن اليوم “نمثُّلُهم” في الحاضر، وهم أصولنا، وسيكون الآتون من بعدنا هم فروعنا.
نحن أبناء الإسلام؛ أَنْصَتْنا إليه في تنهيدة الأمهات في بيوتنا، واستمعناه في صرير المهاد، ورضعناه من أثداء أمهاتنا، وتنفسناه في هوائنا. كان الإسلام أبدًا في شغاف قلوبنا، ولم يقف غريبًا عنا بتاتا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: فتح الله كولن، ونحن نبني حضارتنا، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ، الطبعة الثانية، ٢٠١2، ص: 103
ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر .