Reader Mode

اتخذهم المؤمنون مرشدين وروّادًا لهم، ونحن خدام الباب الأوفياء لهم، وأملنا أن يحشرنا ربنا تبارك وتعالى بهذا الإقرار الذي ألزمنا به أنفسنا نحو هؤلاء الصحابة الكرام البررة. ولقد عكس الصحابة بحقٍّ نور النبوة بمرايا قلوبهم، فكانوا مرآةً حقيقية لهذا النور الخالد صلى الله عليه وسلم، وتمثّلوا حياته على أتمّ وجه، ولقد عمدوا – بإتباعهم الشديد له صلى الله عليه وسلم- إلى مبخرة الحقيقة التي كان صدره مجمرَتها ففاضت أنوارهم على الإنسانية كلّها بعون من الله تعالى.

هناك جيلٌ جديدٌ على شاكلة الصحابة العظام، عزموا على حملِ هذه الدعوة العظيمة، يجاهدون لأداء أعمالٍ تتوافق مع ما كان يفعله الصحابة.

كانت حركةً هادِفةً لإنقاذَ الإنسانية في ذلك العصر، فَطُبِّقت على وجهها الأمثل، وما شاهدناه لدى هؤلاء الصحابة ليؤكد إمكانية أن يظهر اليوم مضحُّون يكرسون حياتهم لإنقاذ الإنسانية كما كرّسها هم من قبل؛ لأننا نعلم أن سُنن التاريخ تكرُّرِ الوقائع، وليس هناك أيُّ سببٍ يستدعي عدمَ تكرُّرها في هذا العصر، سيتكرر ذلك بمشيئة الله.

إننا كنا مضطرّين حتى الأمس القريب إلى ضرب كلّ الأمثلة من عصرِ الصحابة، غير أنه أصبح لدينا الآن فرصة لضرب أمثلة من يومنا وعصرنا الحاليّ، إننا كنا ننتظر هذه الأيام بوعيٍ أو بغير وعيٍ، وعلى ذلك حينما نضرب مثالًا من عصر السعادة ومثالًا آخر من عصرنا ونجمع بين الحلقتين يتحقّق عندئذٍ ما كنّا نصبو إليه.

عكس الصحابة بحقٍّ نور النبوة بمرايا قلوبهم، فكانوا مرآةً حقيقية لهذا النور الخالد ﷺ، وتمثّلوا حياته على أتمّ وجه

ولنوضّح المسألة بمثال: هناك مجموعة من الشباب لم يتلذّذوا بحياتهم بعدُ رغم أنهم يتقلّبون في مختلف النِّعَمِ الدنيوية، ويغبطهم الكثيرون على مكانتهم الاجتماعية، ذات يوم جاؤوا لي بقائمةِ أسماءٍ كُتبَ في أسفلِها: “ناشدناك الله أن تدعو لنا ربَّنا أن يعيننا على استغلال كلّ لحظةٍ في حياتنا لخدمة ديننا وأمتنا، فإن حلّ أجلُنا رَحَلْنا إلى الآخرة مزوّدين بثواب الشهادة”.

وهذا يعني وجودَ الصحابة من جديد، دعوتُ اللهَ لهم مدَّةً طويلةً حتى يُنْفِقوا أعمارهم في سبيل الدين وأن تختم حياتهم بأجمل خاتمة وهي الشهادة، ودون اعتبار لأهليّتي كتبت اسمي في آخر هذه الأسماء، واستشفعتُ بأسماء هؤلاء الشباب إلى الله وتضرعت إليه أن ينعم علي بإحسانه وفضله وألّا يحرمني من أن أكون في زمرتهم.

ما شاهدناه لدى الصحابة الكرام يؤكد إمكانية أن يظهر اليوم مضحُّون يكرسون حياتهم لإنقاذ الإنسانية كما كرّسوها من قبل.

لأن هناك شبابًا سيمثلون هذا المعنى السامي في أعماق أرواحهم وفقًا لقامةِ وقيمةِ هذا المعنى، وهذا إحسانٌ كبيرٌ ودائمٌ من ربّنا تبارك وتعالى علينا. أجل، لقد ازداد مَن يعتصرون أَلَمًا بهمّ الخدمة حتى عند رقادهم؛ ومن بينهم ألافٌ من الشباب الذين تعيش أرواحهم اليوم هموم الإلحاد والملحدين، وهكذا فهناك جيلٌ جديدٌ على شاكلة هؤلاء الصحابة العظام الذين يُشكِّلون الرعيلَ الأوَّلَ، فهم عزموا على حملِ هذه الدعوة العظيمة، يجاهدون لأداء أعمالٍ تتوافق مع ما كان يفعله الصحابة، ويسعون بحقّ لأداء الوظيفة التي كُلِّفوا بها وقلوبهم تحترق كالمبخرَة التي اقتبَسَتْ بخورها من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعهم رسالاتٌ من آمال جديدة، فيا إلهي لا تخذلنا بعيوبنا.

وخلاصة المسألة: إنهم صعدوا وارتقوا إلى السموات العلى بفضل خصالهم العالية مثل التفاني، والإيثار، والتجرد، بل ونسيانهم أمورهم الخاصة، وإعراضهم عن الملذات المادية والمعنوية في سبيل خدمة دينهم، فلو كنّا نتطلع في الأفق إلى هذه الخصال مثلهم فعلينا أن نشاركهم أفكارَهم نفسَها وأحوالهم الروحية عينَها.

———————————

المصدر: محمد فتح الله كولن:”الاستقامة في العمل والدعوة”، سلسلة أسئلة العصر المحيّرة (3)، ترجمة: أورخان محمد علي – د. عبد الله محمد عنتر، دار النيل للطباعة والنشر، ط1، 2015، ص: 42-45.

ملاحظة: عنوان المقال، وبعض العبارات من تصرف المحرر.