سؤال: يقولون: إن الله تعالى تكفل بالرزق، فما لنا نرى أناسًا في بعض الدول يموتون من المجاعة التي استغرقت خمسين أو ستين يومًا؟
الجواب: تبيّن آيات في كتاب الله عز وجل أن الله تعالى تكفل للخلق جميعًا بالرزق، منها مثلًا: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (سُورَةُ هُودٍ: 11/6) و﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 51/58).
أجل، فالرازق هو الله، وجميع آي القرآن في هذا تشير إلى أن الرزق في كفالة ربانية؛ فلا أحد يموت جوعًا، ولكن على الناس أن يعلموا أن الله تعالى إنّما تكفل بما يفي بحاجاتنا الضرورية من الرزق، أمَّا ما سوى ذلك فلم يتكفّل به سبحانه، هناك أشياء لا تعد من قبيل الرزق الذي تكفل الله به، فلو جعلها الإنسان رزقا ضروريا له بإسرافه وسوء استعماله وسيئ عاداته ثم فقدها فمات، فليس لنا أن نقول حينذاك: إن ذاك الإنسان مات لانقطاع الرزق.
الناس لا يموتون فقرًا أو جوعًا أو حرمانًا من الرزق، بل يموتون لأنهم اعتادوا تبذير ما رزقهم الله مما فيه كفايتهم أمدًا مديدًا.
هلموا بنا نضرب أمثلة يسيرة لذلك، مثلًا: مدمن الأفيون الذي اعتاد تعاطي الأفيون، لو حاولتَ ثنيه عن ممارسة هذه العادة السيئة لجنّ وثارت ثائرته، وقد يموت إن بلغ إدمانه للمخدر مبلغه. أجل، يموت هذا الإنسان إذا ما حرم من الأفيون، لكن سبب موته إدمانه على الأفيون أوَّلًا، ثم إقلاعه عنه أخيرًا على نحوٍ لا يتناسب وطبيعتَه.
وهناك آخر اعتاد التدخين وأُشْرِبَ دمه بالنيكوتين، فلو أقلع هذا عن التدخين دون أن يسترشد بوصفة مناسبة لبدت على جسده بعض الأعراض، ربما تتورم يده ورجله ووجهه، وعندها يقول له الأطباء: “لا يمكنك الإقلاع عن التدخين بهذه الصورة، فمثل هذا الانقطاع غير المناسب ربما يؤدي إلى حدوث بعض المضاعفات”، ففي المثل “ترك العادات من الـمهلكات”.
لو رُزِق شخص كيسًا من القمح فاستهلكه في شهرين لظل سائر السنة جائعًا وسيموت جوعًا، أمَّا إن اقتصد فأكل كل يومٍ حفنةً من كيس القمح فسيكفيه سنةً كاملةً، ولن يموت بالنظر للأسباب.
هناك عادات أخرى كتلك:
لو أنّ إنسانًا تعود على تناول كيلو من البروتينات يوميًّا، رغم أن حاجة الجسد اليومية من البروتينات لا تزيد عن خمسين جرامًا، أو لو أنه اعتاد أكل كيلو فاكهة وآخَر من البقلاوة وآخر من اللحم يوميًّا ثم أقلع عن تلك العادة فمن الممكن أن تصيبه الرعشة فيمرض ويعجز عن أن يستوي قائمًا، أما لو تناول معدله اليومي من الفاكهة “50-100 جرام”، وتناول مثله من البروتينات أيضًا فتلك هي كفايته اليومية من الأغذية، بل قد تكفيه بضعة أيام، فهذا أمر مردّه إلى العادة.
وتدخر خلايا الجسم هذه الأطعمة شحومًا، فإذا عدِمَت الخلايا غذاءً جديدًا عمَدت إلى استخدام هذا المخزون شيئًا فشيئًا، فيتغذى به الجسم.
على الناس أن يعلموا أن الله تعالى إنّما تكفل بما يفي بحاجاتنا الضرورية من الرزق، أمَّا ما سوى ذلك فلم يتكفّل به سبحانه.
ومثال ذلك أيضًا هؤلاء الذين يموتون جوعًا هنا وهناك، فلو اقتصد هؤلاء فيما قدره لهم ربهم من الرزق لَحفِظ عليهم حياتهم، هب أنّ الله عز وجل رزق شخصًا كيسًا من القمح فاستهلكه في شهرين لظل سائر السنة جائعًا ثم ما يلبث أن يموت جوعًا، أمَّا إن اقتصد فأكل كل يومٍ حفنةً من كيس القمح فلسوف يكفيه سنةً كاملةً، ولن يموت بالنظر للأسباب.
وهذا يعني أنّ الناس لا يموتون فقرًا أو جوعًا أو حرمانًا من الرزق، بل يموتون لأنهم اعتادوا تبذير ما رزقهم الله مما فيه كفايتهم أمدًا مديدًا، فأدمنت أجسادهم هذا فغدا تركهم لعاداتهم هلاكًا لهم بمقتضى قوانين الشريعة الفطرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: فتح الله كولن، الرد على شبهات العصر، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ2، 2013م، صـ59/ 60.
ملحوظة: عنوان المقال من تصرف محرر الموقع.