من أسباب إرسال الرسل والأنبياء هو سد باب معذرة الناس أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة. قال الله تعالى موضحا هذه الغاية ومبينا هذا السبب:﴿ رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّٰهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾(النساء:165).
الأنبياء والرسل أشخاص معدّون سلفاً ومختارون للنبوة والرسالة وهم في أرحام أمهاتهم. فحياتهم متناغمة تناغم لحن موسيقي، وعندما يتحدثون ينصت الوجود كله لهم.
الأنبياء والعون الإلهي
لم يستطع القادة والزعماء -عدا الأنبياء والرسل-المداومة على إقناع الأمم والشعوب إقناعاً مستمرّاً. إنهم قد يفعلون ذلك لمدة وقد ينجحون، ولكن نجاحهم هذا نجاح مؤقت؛ إذ سرعان ما يتجاوزهم الزمن ويبلي أفكارهم فتسقط كما تسقط أوراق الخريف. ذلك لأن دعوتهم غير مستندة إلى العون الإلهي. لذا، فهم لم يستطيعوا أن يتخطوا الصفة البشرية قولا وفعلا.
جاء كل نبي ورسول بمعجزات عديدة ليزداد الذين آمنوا إيمانا، ولا يبقى لغير المؤمنين أي عذر لهم في عدم الإيمان.
أما الأنبياء والرسل فهم بخلاف ذلك. إنهم أشخاص معدّون سلفاً ومختارون للنبوة والرسالة وهم في أرحام أمهاتهم. فحياتهم حياة متناغمة تناغم لحن موسيقي، وحديثهم حديث عذب عذوبة الشعر، فعندما يتحدثون ينصت الوجود كله لهم، ويرهف الجميع أسماعهم لهم، فكم من أمر تغير بمجيئهم، وكم من حادثة حولت طريق سيرها بقدومهم، وكم من قلب أسلم قياده لهم واتبعهم، وكم من ناموس جار في الكون وقف من أجلهم بل غير مجراه من أجلهم ونتيجة طلبهم.
سلطان الأنبياء ﷺ
ويكفينا في هذا أن نوجه النظر إلى سلطان الأنبياء وسيد المرسلين محمد ﷺ؛ فالأرض والشجر والحيوان توجه إليه وكأن كلاًّ منهم يرغب في أن يقيم علاقة معه باسم النوع الذي ينتسب إليه وأن يظهر تصديقه بنبوته وبرسالته، وكما قال البوصيري: “جاءت لدعوته الأشجار ساجدة([1]).
اكتسبت الأشياء معانيها بعد قدوم سلطان الأنبياء ﷺ، وتخلص الوجود كله من ركام الفوضى.
ذلك لأن الأشياء اكتسبت معانيها بعد قدومه هو، وتخلص الوجود كله من ركام الفوضى. كان يقول بلسان القرآن﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسبِيحَهُم﴾(الإسراء:44). يقول هذا وكأنه ينفخ الحياة والروح في كل موجود. كل ما تعلمناه تعلمناه منه، وما بانت حكم الأشياء إلا به، ويجدر بنا أن نورد في هذا الصدد أن الإنسان لم يخلق عبثاً ولم يترك سدى.
معجزات الأنبياء
لقد جاء كل نبي ورسول بمعجزات عديدة ليزداد الذين آمنوا إيمانا، ولا يبقى لغير المؤمنين أي عذر لهم في عدم الإيمان. أما سيد المرسلين فقد أتى بجميع معجزات الأنبياء والمرسلين السابقين له.
من أسباب إرسال الرسل والأنبياء هو سد باب معذرة الناس أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.
أجل، فقد رأت كل أمة معجزات نبيها أو سمعت بها، أما نحن فقد سمعنا آلافاً من معجزات نبينا، ونرى بين أيدينا في كل حين معجزة خالدة وهي القرآن الكريم؛ ومن ثم فلا عذر لأي شخص، ولا مجال لأي اعتراض لأن الله سبحانه وتعالى قد أوضح بوساطة نبيه جميع الحقائق التي تعود إلى الإيمان إيضاحاً كاملاً وعرضها أمام الأنظار بكل جلاء، ويعد هذا الأمر أحد أسباب بعث الأنبياء والرسل؛ لأن الله تعالى قرر في القرآن هذه القاعدة حيث يقول:﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾(الإسراء:15).
فإذا ما نصبت موازين الحساب يوم القيامة فلا عذر لأحد ولا حجة لكائن من كان؛ فقد أرسلت الرسل وبعثت الأنبياء.(
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: محمد فتح الله كولن، النور الخالد محمد ﷺ مفخرة الإنسانية، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ8، 2013م، صـ 64/ 66.
ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.
([1] ) مسلم، الزهد 174؛ المسند للإمام أحمد، 1/ 223؛ البداية والنهاية لابن كثير، 6/135.