عندما يستقر في قلب المؤمن الشعورُ التامّ بأن الخير كله والتوفيق كله من الله وحده، يأبى إلا أن يكون شغلُه الشاغلُ وهمُّه الدائم هو الحديث عنه سبحانه، والغَيرةَ من كل قول يقال في غيره عز شأنه. يأتي بعض الناس أحيانا فيقول بإسهاب “قرأ عليّ الكتابَ الفلانيَّ كذا عددٌ من الناس…” أو “يشارك في دروسي كذا عددٌ من أصحاب الثقافة العالية…”، بينما الصحيح أن نُطيل في الحديث عن شؤون الله، وأن نكون غيورين في ذلك أيما غيرة. كثيرا ما نجد عاطفة الأبوة والأمومة تسيطر على بعضهم، فإذا ما جاء ذكر الأبناء في مجلس ما، انتهزوا الفرصة لكي يتحدثوا عن أبنائهم. كذلك نرى من يتحين الفرص للحديث عن مهاراته في الكتابة وبراعته في الخطابة. وهو سلوك لا يليق بإنسان ناضج يقظٍ أبدا. الأحرى بنا أن نترقب فرصة بعد أخرى لكي نتحدث عن الله سبحانه. فإذا جاء ذكر الوفاء مثلا، ينبغي أن نخترق الكلام فنقول “ومن أعظمُ من الله وفاء؟! إن الله أوفى الأوفياء!..” ثم نسترسل في الحديث عن وفاء الله سبحانه لعباده. وإذا ما تَطرّقَ أحدُهم إلى مفهوم الحق وإحقاقه لأهله مثلا، علينا أن نسرع فنقول: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه) (الزمر:67)، فقد أخرجَنا من العدم ووهبنا لباس الوجود، ولم يتركنا جمادا، بل منحَنا الحياة، ولم يكتفِ بنفخ الروح في أبداننا، بل كرّمنا ورفعنا إلى مقام الإنسانية، ثم شرّفنا بالإيمان، ولم ينقطع فضله عند هذا الحد، بل أكرمنا بأن أدخلنا رحاب خدمة الإيمان والقرآن”. نعم، علينا أن نؤكد ذلك، ونبدي غيرة -في هذا الشأن- منقطعة النظير.
ما بالنا ندور بالحديث حول هذا الأمر أو ذاك الشخص، في حينِ أن هناك واحدا أحدا جديرا بأن تدور كل الأحاديث حوله ليل نهار. بل إذا سمعْنا أحدَهم يقول “لقد ألقيتُ كلمة في حفل كذا، فتأثر الناس من كلامي وسالت دموعهم، وقالوا عن كلمتي كذا وكذا…” فينبغي أن يبلغ بنا الاستياء إلى حد المرض والتألم فنقول “ما بال هذا الرجل يتحدث عن نفسه، وينسب الخير إليها، في حين أن الله تعالى هو صاحب المواهب والمنن كلها، وهو المستحق الوحيد للحديث عنه”.