أجرى مودست كوليروف رئيس تحرير وكالة أنباء ريغنوم الروسية حوارا مع الأستاذ فتح الله كولن بتاريخ ٣١ يناير ٢٠١٩ تناول فيه مسألة إعادة الأستاذ كولن إلى تركيا وإلحاح حكومة أردوغان على الإدارة الأمريكية في ذلك، كما تطرق إلى اتهام الحكومة التركية لحركة الخدمة بالتسبب في إسقاط الطائرة الروسية وضلوعها في اغتيال السفير الروسي، وأخيرا الوضع في منطقة الشرق الأوسط وخاصة ما يتعلق بالشأن السوري. وفي يلي نص الحوار:
سؤال: السيد كولن، بداية نتقدم إليكم بجزيل الشكر على قبولكم إجراء هذا الحوار القصير معنا رغم برنامجكم المكثف ومشاكلكم الصحية. ولكن، دائما ما يتم تداول اسمكم على قائمة جدول اللقاءات الرسمية التي تعقد بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، فالحكومة التركية تلح في المطالبة بإعادتكم إلى تركيا. هل تشعرون بقلق حيال احتمال إعادتكم إلى تركيا؟ هل فكرتم ببلد آخر تنتقلون إليه؟ لماذا تلح الحكومة التركية كل هذا الإلحاح؟
الجواب: ليس لديّ أدنى قلق يتعلق بشخصي إزاء طلبهم بإعادتي إلى تركيا. إنني أعيش أواخر أيام حياتي، لا يهمني سواء مت هنا أو في تركيا أو في مكان آخر. لم يكن لديّ غاية في الحياة سوى نيل مرضاة ربي والفوز بآخرتي. إنني هنا منذ حوالي عشرين عاما، لم أر حتى اليوم سوى معاملة إنسانية سواء من قبل جيراننا في هذه القصبة الصغيرة التي أعيش فيها أو من قبل المسؤولين الحكوميين. لم أفكر في الرحيل إلى مكان آخر. وفيما يتعلق بمطالب تركيا، فأعتقد أن الدولة الأمريكية ستتعامل مع الموضوع بموجب اتفاقية الإعادة المبرمة بين البلدين وبموجب القانون.
أما إلحاح حكومة أردوغان في هذا الطلب، فأعتقد أن ذلك يعود إلى حسابات سياسية تتعلق بالشأن الداخلي. لقد كانوا في حاجة إلى كبش فداء من أجل تسليم مقاليد السلطة كلها إلى رجل واحد، وقد اختاروا حركة الخدمة لتحقيق هذا الغرض. وهم يتصرفون وفق الخطة التي رسموها. لقد كان قيادات الحزب الحاكم في تركيا يتنافسون في الإطراء على حركة الخدمة حتى شهر ديسمبر ٢٠١٣. وابتداء من عام ٢٠١٤ ارتدّوا عن موقفهم هذا ١٨٠ درجة وراحوا يشوّهون صورة حركة الخدمة عبر ممارسة فاضحة لخطاب الكراهية بل وصل الأمر إلى حدِّ قمع أفراد الخدمة واضطهادهم باستخدام سلطة الدولة وجبروتها. وبما أنه لا يمكن لأفراد حركة الخدمة الذين يعدون بالملايين أن يتغيروا فجأة، فهذا يعني أنهم هم من تغيروا. أعتقد أن سلوكهم هذا جزء من خطة سياسية قيد التنفيذ.
سؤال: تثار ادعاءات بأن لحركة الخدمة يدًا في الحادثتين اللتين تعتبران مفصليتين في العلاقات التركية الروسية، الأولى إسقاط الطائرة الروسية، والثانية اغتيال السفير كارلوف. فما ردكم على هذه الادعاءات؟
الجواب: بداية أعبر عن رفضي التام لكلا الاتهامين. فهذه افتراءات تافهة لا تستحق حتى مجرد الرد عليها. أما فيما يتعلق بتعرض السفير كارلوف للاغتيال فقد نشرتُ رسالة متلفزة قدمت فيها تعزيتي للشعب الروسي. وأكرر تعزيتي مرة أخرى، وألعن تلك الجريمة الشنيعة مرة أخرى. إن محاولة حكومة أردوغان تحميل فاتورة هذه الجريمة لحركة الخدمة أمر مثير للضحك؛ إنهم بدلا من أن يحققوا في ضعفهم في اتخاذ التدابير الأمنية التي تقع مسؤوليتها على عاتقهم، وبدلا من أن يتحمّلوا المسؤولية عن ذلك يحاولون تحميل فاتورة هذه الجريمة للآخرين.
أما إسقاط الطائرة الروسية، فأعتقد أنني في اللقاء الذي تم مع الأكاديمي الروسي البروفيسور “ناومكي” أكدت بأن ذلك كان خطأ فادحًا، وأن العلاقات التركية الروسية في غاية الأهمية وينبغي الحفاظ عليها. ولكن تذكرون أنه عندما أسقطت الطائرة أعلن رئيس الوزراء في ذلك الوقت (أحمد داوود أوغلو) أنه هو من أصدر الأمر بإسقاطها. وأكد أردوغان على ذلك بقوله “إن تم تجاوز آخر لحدودنا، نسقطها مرة أخرى”. ولما تعاملت روسيا مع الموضوع بصرامة، تصرفوا كأنهم لم يتفوهوا بهذه العبارات قط، ولجأوا مرة أخرى إلى تحميل تبعات هذه الجريمة لحركة الخدمة التي اختاروها كبش فداء. ثم إن الجيش التركي معروف بجديته وانضباطه على مستوى العالم. وفي حال ظهر احتمال أن تدخل طائرة حربية في عراك مع طائرة دولة أخرى فلا شك أن هناك نظاما وتعليمات وفق سلسلة تراتبية على مستوى القيادة. لا أعتقد أنه قد تم العدول عن هذا النظام في ذلك اليوم. وفي الأخير أعتقد أنه لا يوجد عاقل في العالم قد أخذ هذه الادعاءات مأخذ الجد.
سؤال: يشهد الشرق الأوسط مؤخرا تحسنا في الأوضاع القائمة، وتركيا تعتبر جزءا منه، ورغم ذلك هناك بعض المعضلات. كيف يمكن برأيكم الوصول إلى حلول سلمية، خاصة فيما يتعلق بالشأن السوري؟
الجواب: سبق أن عبرت عن قناعتي حول سوريا لبعض وزراء حزب العدالة والتنمية الذين جاؤوا لزيارتي قبل سنوات. وقتها قلت لهم ينبغي دعم سوريا ومساعدتها على الانتقال إلى الديمقراطية بإرادتها الحرة وتشجيعها على تطوير ديمقراطيتها من خلال خطة تمتد على مراحل زمنية. ينبغي منح النظام القائم للبقاء في الحكم دورة، بل حتى دورتين، وتوفير الإمكانات السياسية والمادية حتى تنتقل سوريا إلى مرحلة تحديث حقيقي ومشاركة متعددة الأطراف. ينبغي تشكيل آلية إدارية يتم فيها تمثيل جميع المكونات السورية من عرب وأكراد وتركمان ونصيريين ومسيحيين ومجموعات أخرى بحيث يتمكن الجميع من التعبير عن نفسه. ومن ثم ينبغي أن يُمنَح الجميعُ الحقوقَ نفسها. لكنهم للأسف لم يبالوا باقتراحاتي هذه، وأرادوا أن يقولوا -إن صح التعبير-: “هذه أمور تتجاوز عقلك الصغير، وهل سنتلقى نصائح من إمام مسجد؟”
لكن الأزمة صارت اليوم معقدة للغاية. لقد لعبت روسيا دورا إيجابيا في حل بعض القضايا. ولكن بعد اليوم يجب على روسيا وأمريكا أن يتوافقا في قضية انتقال سوريا إلى دولة ذات طابع تعددي يحتضن جميع أطياف الشعب، ويدعما ذلك بقوة، قبل التسبب في ضياع أرواح أخرى وتعرّض آخرين إلى مظالم جديدة.
هذه الأفكار التي ذكرتها في موضوع الأزمة السورية تنطبق على عديد من دول المنطقة مع شيء من الفروق الطفيفة. إن الحل الوحيد -طويل المدى- لتلك البلدان التي تتضمن شعوبا متعددي الأطياف، أن تتاح لهم فرصة العيش في ظلال نظام تشاركي تشعر فيه تلك الشعوب بأنه قد تم تمثيلها حقا، وتم ضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين فيها دون النظر إلى انتماءاتهم الدينية أو الإثنية.