إن أعظم وسيلة لجلب العون الإلهي والتوفيق الرباني تأسيس التوافق بين المجموع. فغنيمة التوفيق لها غُرمُها. وغُرمُها ترسيخ الوعي الجماعي، والحفاظ على سر التوافق وروح الاتفاق، والابتعاد عن كل نزاع وشقاق. فإذا أصبحنا كيانا متوحدا وكلاًّ متوافقا، فسوف تتنزل علينا من الألطاف ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وسوف نمتلك القدرة على رفع أحمالٍ أثقلَ من جبل قاف. أما إذا زال التوافقُ وتبخّر الاتفاقُ، ولم يبق سوى بضعة رجال ضعافٍ من حولنا، فلن يأتي المدد الإلهي حتى لو بذلنا قصارى جهودنا. إننا إن قطعنا حبل الاتفاق فيما بيننا انتَسفتْ مناجمُ قوتنا ومنابعُ طاقتنا، وكنا سببا في انقطاع غُيوث الرحمة علينا والعون لنا. لذا، يجب أن نركز جهودنا كلها لكي نبقى متماسكين تماسك الفولاذ ومشدودين إلى بعضنا كالبنيان المرصوص. وها هو القرآن يعلن عن مرسومه الخالد بقوله: (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم) (الفتح:10)، ومن هنا فإن العطاء الذي ينزل على الأفراد لا يداني حجمَ العطاء الذي ينزل على الجماعة المتوافقة أبدا، حتى وإن كان هؤلاء الأفراد عمالقة في العلم والعرفان، جبالا في الزهد والتقوى، وحيدي أزمانهم في مواهبهم الذاتية وإقبال الناس عليهم وتقربهم من الله جل وعلا.