كان فخر الإنسانية (ص) قبل البعثة المباركة وبعدها مفعما بالهمّ متلفعا بالغم إزاء ما يرى من شقاء مادي وضياع روحي يسود البشرية كلها. الروايات تقول إنه كان قبل النبوة يعتزل الناس أحيانا ويخلو إلى نفسه متأملا في مشاكل الإنسانية المأزومة. أما عن مبلغ همه بعد أن تحمل مهمة الرسالة فينبه إليه القرآن العظيم قائلا: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف:6)، هذه الآية ذات مغزى عميق يهز القلب هزا ويؤثر في صميم الوجدان. إن أخطر همّنا اليوم خلونا من الهمّ الذي يسلبنا النوم ويقضّ مضجعنا ويتركنا مؤرقين عدة أيام في الأسبوع ونحن نسعى ونغرس حقائق الإيمان والقرآن في القلوب ونتطلع إلى أن يستجيب لها ضمير المجتمع. وما لم نأرَق بمثل هذا الهمّ اليوم، فسوف تنهمر علينا مهمات تحرمنا النوم غدا. يكاد المرء ينفطر أسفا حينما لا يرى من ينفطر هما.