إن أسرة يحفّها اليمن والبركة، في بيتٍ يتكون من أبوين مستقيمين مسلمين مؤمنين يقومان بمسؤولياتهما على أتمّ وجه، لا بدّ وأن يكون كل شيء فيها في نصابه، ويُصبح هذا البيت روضةً من رياض الجنة، وأحسب أن الصيحات المفعمة بالنشاط والحيوية التي يطلقها الصغار في هذا البيت ستكون عند الله بمثابة الدعاء؛ مقدسة وكأنها تسبيحات للملائكة.
إن أسرة يحفّها اليمن والبركة، لا بدّ وأن يكون كل شيء فيها في نصابه.
الأسرة أصغر خلية
إن القرآن الكريم عندما تحدث عن المجتمع السعيد بنسائه ورجاله قال: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (سُورَةُ الأَحْزَابِ: 33/35).
إن هؤلاء الرجال والنساء مؤمنون مسلمون، تجمعهم الأسرة التي هي أصغر خليّة في الأمة، وَثِقوا في الله، واتجهوا إليه بإخلاص، ووصلوا إلى معيّته، وقضوا حياتهم في عبادةٍ وطاعةٍ له سبحانه وتعالى.
إن الصادق في كلامه وتصرّفاته هو الذي لا يكذّب كلامُه أفعَاله ولا أفعالُه كلامَه
بيت يجمع الصادقين والصادقات
أجل، إن الصادق في كلامه وتصرّفاته -ذكرًا كان أو أنثى- هو الذي لا يكذّب كلامُه أفعَاله ولا أفعالُه كلامَه، حتى إنه من المتعذّر مصادفة خلاف الواقع في هذا البيت الذي يشكّله هذا الرجل وهذه المرأة، فكلّ شيء في هذا البيت صحيحٌ ويبدو في صورته الحقيقية، وكما يُصلح الإنسانُ من هندامه أمام المرآة فكذلك الطفل سيُصلح من نفسه أمام لوحات الصدق في هذا البيت، ولن يرتكب أيّ فعلٍ خاطئٍ أو يصدر منه أيّ بيانٍ يخالف الواقع، إذ كلّ ما يحدث في هذا البيت صحيحٌ سليم؛ لأن هذا البيت يجمع الصادقين والصادقات.
أجل، فإن كان الزوجان من الصابرين والصابرات؛ من الذين يتحمّلون مشقّة العبادة والطاعة وقسوة المصائب التي يُبتلون بها، ويصمدون أمام الذنوب، ويحفظون فروجهم، ويكرهون أن يرتكبوا المعاصي كما يكرهون أن يُقذفوا في النار؛ فهم -بلسان حالهم- يؤثّرون في أولادهم كما يؤثرون في مجتمعاتهم كلّها؛ حتى إنني أعتقد أن كل ما تتفوّه به ألسنتهم سيصغر أمام لسان حالهم.
كما يُصلح الإنسانُ من هندامه أمام المرآة فكذلك الطفل سيُصلح من نفسه أمام لوحات الصدق في هذا البيت.
رجال المستقبل
لا جرم أن الجدّية والوقار والحساسية والدقّة البالغة هي ما سيراه الطفل دائمًا لدى هذين الأبوين؛ اللذين تفيض أعماقهما بتوقير خالقِهما، وتهتزّ جنباتهما دائمًا من خشيته، ويسعيان إلى أداء ما أُنيط بهما من تكاليف على أكمل وجه؛ مخافةَ ما ينتظرهما في الآخرة من حساب وجزاء، ويترقّبان في كلّ لحظةٍ بلوغَ نهاية الطريق ودعوتهم إلى القبر، سيرى الأطفال في مثل هذه الأُسَرِ قلقًا لطيفًا يعلو الوجوهَ، تتبعه عذوبةٌ ثم نشوةٌ أنشأتها مهابة الله والرجاء في الجنة، وعند ذلك ينشؤون في رفاهيةٍ ولكن مع الحذر، في سعادة ولكن مع سعة الأفق، في لذةٍ وهناءٍ ولكن رجالًا للمستقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: من البذرة إلى الثمرة، دار النيل للطباعة والنشر 2015 ص 61/62
ملحوظة: بعض العناوين وبعض العبارات من تصرف المحرر.