روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ الَّذي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ كَالْبَيْتِ الخَرِبِ”[1].. يا له من تشبيه ظريف صوَّر حالة المحروم من القرآن بالبيت المتداعي!
فمن هو المحروم أو المحرومون مِن القرآن؟ عموم اللفظ في الحديث يفيد أنه قد يكون فردًا أو أسرة أو مجتمعًا أو دولة. نعم، سيغدو كلُّ شيء كالبيت الخرب إذا لم تَسْرِ في الحياة الشخصية تلك الروحُ والمعنى واللدنياتُ التي في القرآن، ولم تنظَّم حياةُ الفرد حسب موازين القرآن ولم تهتدِ به، ولم يكن نبراسًا للحياة العائلية؛ وسيقع يومًا ما أمثال هؤلاء الناس والأُسر والمجتمعات في مصيدة أحابيل الشيطان وشِراكه، ولا منجى لهم من أيّ لون من ألوان حياة الذلة والمسكنة.
وتنزيل معنى الحديث على الواقع المرير لأمتنا نجد أن نحو مليار مسلم لمَّا هجروا القرآن رزحوا تحت البؤس والهوان نحو أربعة قرون، وهذا يزيدنا إيمانًا بأهمية العودة إلى القرآن لأن الكون قائم بهديه وفضله.
فالقرآن روح الكون وحياته، وفي البعد عنه انهيار الكون وزواله، وإلى هذا يشير الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: “الْقُرْآنُ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ”[2]، وبسرّ هذا القرآن تقوم السماوات والأرض، فإذا ارتفع القرآن زالتا هما أيضًا، “وإذا ما غاب القرآن وفارق الكون، جنّ جنونه وفقدت الكرة الأرضية صوابها، وزلزل عقلها، وظلَّت بلا شعور، واصطدمت بإحدى سيارات الفضاء، وقامت القيامة”[3]، كما قال ذلك العالِمُ النِّحْرِير مصنع الفكر ومنجمه.
([1] ) سنن الترمذي، فضائل القرآن، صـ18
([3] ) بديع الزمان سعيد النورسي، الكلمات، الكلمة العاشرة، صـ116. اللمعات، اللمعة الثلاثون، صـ509.
المصدر: البيان الخالد(لسان الغيب في عالم الشهادة)، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2017، صـ38.
ملاحظة: عنوان المقال من تصرف محرر الموقع.