إن الدين الإسلامي يولي أهمية كبرى لموضوع الزواج، ويوصينا أن نتحلى بالدقة البالغة عند التفكير فيه، ونقيِّم الأمر جيّدًا، وأن نحذر من ارتكاب أي خطأ؛ حتى لا يتأسس المنزلُ على أسس واهية تودي به إلى الانهيار.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (سُورَةُ النُّورِ: 24/32).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثٍ حسنٍ: “تَنَاكَحُوا، تَكْثُرُوا، فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”[1].
ويقول أيضًا في حديثٍ آخر: “تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ”[2].
إن مَن لا قدرة له على النكاح؛ يعني الإنفاق ودفع المهر، أو بالأحرى من لا يستطيع أن يعول أسرةً فعليه أن يصبر حتى يغنيه الله من فضله، دون أن يفرّط في عفّته، أو يقتربَ من الحرام.
إنَّ أيَّ زواج تصحبه العجلة والسرعة دون إعمالٍ لعقل أو منطق يسوده القلق والاضطراب.
وإنّ الآية المذكورة رغمَ ما تتفرّدُ به عن الحديثين من معانٍ جليلة إلا أنّها تتلاحَمُ معهما في توكيدِ الحقائق عينها والفِكرة الأساسية ذاتها.
أعني أن حديث “تَنَاكَحُوا، تَكْثُرُوا، فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” مضمونُه صريح إلا أنه قد يشير إلى مفهومٍ مخالف وهو: إن لم يستهدف المرءُ بالزواج تربيةَ نَسلٍ يَفتخر به سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا معنى قطّ من الزواج أو التكاثر، وبدهيٌّ أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم لن يفتخر بنسلٍ وحشيٍّ صَدِئِ الفؤادِ لا تَعرف جبهتُه إلى السجود سبيلًا، ينغمس في لهو ومجون، ويجترح أعمالًا إرهابية، إن النسل الذي يريده سيّد الأنام صلى الله عليه وسلم هو نسلٌ يرضى عنه الله عز وجل؛ نسلٌ يعيش الدينَ ويعايشه، ويتلهّف ويتعطّشُ لنيل رضا مولاه عز وجلّ، وأظهرُ برهانٍ على ذلك ما ورد في القرآن الكريم من بياناتٍ نورانيةٍ، يقول ربنا سبحانه وتعالى في واحدة منها: ﴿اَلْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (سُورَةُالْكَهْفِ : 18/46).
أجل، إن ابتغيتم الآخرة في أعمالكم كنتم من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
والنتيجة: أن الهدف الرئيس من الزواج هو تربية جيلٍ يُرضي اللهَ ورسولَه.
لن يفتخر الرسول صلى الله عليه وسلم بنسلٍ وحشيٍّ صَدِئِ الفؤادِ لا تَعرف جبهتُه إلى السجود سبيلًا، ينغمس في لهو ومجون، ويجترح أعمالًا إرهابية.
من أجل ذلك فعلى كلِّ متدينٍ، عاشقٍ لأمته، متمسِّكٍ بأسرته، يراعي الدقة البالغة في تربيته لأبنائه؛ ألا يتردّد ألبتة في مسألة إنجاب الأولاد بشكلٍ يتناسب مع أصوله ومبادئه، رغمًا عن الأفكار الضالة التي تحوم في بيئته؛ لأن تكاثر نسلٍ كهذا سيرسم البسمة على وجه أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأرى من الضروري عرض هذه الوصية الجامعة التي أسداها النبي صلى الله عليه وسلم للشباب فيما يتعلّق بالأفكار التي أوردناها حتى الآن: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”[3].
أولًا: يقوم الصوم عامةً مقام الحِمية؛ فإنه يضبط المعدة، ويسيطر على المشاعر البشرية، وييسِّر استغلالها في السبيل الذي أمر به ربُّنا سبحانه وتعالى.
إن النسل الذي يريده سيّد الأنام صلى الله عليه وسلم هو نسلٌ يرضى عنه الله عز وجل؛ نسلٌ يعيش الدينَ ويعايشه، ويتلهّف ويتعطّشُ لنيل رضا مولاه عز وجلّ.
ثانيًا: الزواج حدثٌ خطير، وليس أمرًا بسيطًا يمكن أن يقرّره المرء أو يُقدِم عليه دون تأمل وإعمال فكر، فإنَّ أيَّ زواج تصحبه العجلة والسرعة دون إعمالٍ لعقل أو منطق يسوده القلق والاضطراب. وإنْ نشأ الأطفالُ في مثل هذه الأسر المضطربة فلا مناص من أنهم لن ينالوا حظهم من التربية اللازمة، ولسوف يَنشؤون كاليتامى وإن كان لهم أب وأم، وقد يصبحون أعداءً لأبويهم بل لمجتمعهم؛ حيث لا شعور ولا حسّ لديهم.
[1] سنن ابن ماجه، النكاح، 1؛ عبد الرزاق: المصنف، 6/173، (واللفظ لعبد الرزاق).
[2] سنن أبي داود، النكاح، 4؛ سنن النسائي، النكاح، 11.
[3] صحيح البخاري، الصوم، 10، النكاح، 2؛ صحيح مسلم، النكاح، 1، 3.
المصدر: من البذرة إلى الثمرة، دار النيل للطباعة والنشر
ملحوظة: بعض العناوين وبعض العبارات من تصرف المحرر.