س: دعني أسألك عن الانقلاب، رئيس الوزراء التركي “بِنْ عَلي يِلْدِرِيمْ” يقول الآن بشكل رسميّ هناك صلات مباشرة بينك شخصيًّا وبين مخططي الانقلاب فما ردّك؟
ج:دعوت مرارًا وتكرارًا إلى إقامة لجنة دولية للتحقيق في هذه المسألة بشكل معمّق، وإذا ما اكتشفَت هذه اللجنة أنني قلت أيَّ شيءٍ لأحد شفهيًّا أو عبر اتصال هاتفيّ أو أنَّ عُشر التُّهم الموجهة بحقي صحيحة فسأحني عنقي وأقول: أنتم على حقّ، اقتصّوا مني واشنقوني إذا شئتم. ولكنني أقول بثقة: إنني لم أتحدث مع أحد حول الانقلاب ولم أتصل بأحدٍ ولم آمُر أحدًا بذلك.
ولكن في خلفية الأحداث، ربما يكون هناك بعض السُّذج الذين تعرضوا للخداع، قد يروّجون عنهم أنهم من المتعاطفين معي، أو يتظاهرون أنهم كذلك، أو أنهم وُعدوا بالحصول على مكافآت إن أدلوا ببيانات معينة.. هؤلاء لا أعرف عنهم شيئًا ولا يمكنني قولُ شيء عنهم، ولكن يمكنني القول: إن طرْدَ الآلاف من وظائفهم بعد يوم واحدٍ فقط على الأحداث لَيمثّل دليلًا واضحًا على القرارات الاعتباطية التي اتخذتها السلطات، ويؤكد أنها كانت قد صنَّفَتْهم بشكل مسبَقٍ وحدَّدَت أسماءهم، وكانت تنتظرُ وقوعَ سيناريو مشابه لهذه العملية.. هذا ما يدلّنا عليه المنطقُ والتفكيرُ السليم.
س: ولكن رئيس الوزراء والمحيطين به وجّهوا تهمةً محدّدة لكم، وهي أن الانقلابيين قاموا عند اعتقال رئيس الأركان التركي بإعلامه بأنه سيكون على تواصلٍ مباشرٍ معكم، وأنكم ستقنعونه بدعم الانقلاب، فهل هذا صحيح؟ هل كان لديكم ما ستقولونه لرئيس الأركان وهل عرضتم فعلًا التحدث إليه؟
ج: أعوذُ بالله أن أكون قد تحدَّثْتُ إلى رئيس الأركان.. ربما من الأفضل توجيهُ السؤال إليه شخصيا: هل تحدَّثَ معي عبر الهاتف، هل أرسلتُ له رسالةً عبرَ أحد؟ هل حصل على أيِّ وثيقة مكتوبة أو موقّعة مني؟ أنا لا أعرفه عن كثب، ولكن بحسب ما أعرفه عنه فهو رجلٌ نزيهٌ ولا أظنُّ أنه سيقول غير الحقيقة.. لذلك أرى توجيه السؤال إليه، وأظن أنه بحالِ خَدَعَه أحدهم وقال له أشياء أخرى فيجب التحقيق في الأمر.
س: لكن برأيك مَن نظّم الانقلاب؟
ج: وفقًا لما ذهب إليه البعض، فإن القوى القومية المتطرّفة خططت للانقلاب ووضعت بعض المتديّنين في المقدمة من أجل تشويه صورتهم، على أمل أن يساعدهم ذلك في حشد التأييد الشعبي، هذا ما قاله البعض. وفي الواقع فلقد قال الرئيسُ بنفسِه: إن ما حصل كان أشبهَ بهبةٍ من الله ستسمح له بالقيام بما يريد وبكل سهولة.
س: هل تعتقد أن أردوغان نظّم بنفسه الانقلاب سرًّا؟
ج: أظن أن الأمر يحتاج إلى تحقيق.. لا أستطيع أن أحسم في ادعاء كهذا في حقه أو في حق أحد آخر جزافا من دون تحقيق، فأنا أعلم أنني سألقى الله وأن الله سيحاسبني على ما أقول. هذا موقفي حتى لو كنت أمام عدوّي الذي يريد أن يشرب من دمي.
س: ولكنك لا تنكر أن الكثير من الناس الذين تورطوا في الانقلاب متعاطفون معك ومع أفكارك؟
ج: كما قلت قبل قليل ربما يزعم بعضهم تعاطفهم معي أو يُروّجون عنهم هذا الزعم. إنني أؤكد أن هؤلاء خانوا الأمة، وأن أفكاري التي أحملها وأدعو إليها طوال حياتي مناقضة لما قاموا به. المبادئ التي سِرتُ عليها هي الأساس بالنسبة لي. أعلم يقينا أنه في أعقاب كل انقلاب يتأثّر الشعب سلبًا، ولذلك كنت دائمًا ضد الانقلابات، فقد أمضيتُ حياتي أعاني منها وأتعرض لضغوطات بسببها. ما من خير يتمخض عن الانقلابات، فهي تؤدي إلى تقسيم المجتمع وجعل الناس يعادون بعضهم. وإنّ مثل هذه الجرائم العدائية تترك آثارا سلبية على الأجيال المقبلة كذلك، كما يحدث في تركيا اليوم.
لذلك كنت دائمًا ضدّ الانقلابات، ألعنُها وألعنُ كل من يشارك في انقلاب ضدّ الديمقراطية والحرية والجمهورية.. هذا هو موقفي الصريح.
س: الحكومة التركية تتهمك بتأسيس دولة موازية وبناء شبكة من المدارس لغسل أدمغة الناس، وأن لديك أنصارًا داخل مؤسسات الدولة والقضاء والجيش، وأن ذلك يُشكل خطرًا على الدولة.. فما رأيك؟
ج: وصولُ المواطنين العاديين إلى وظائف في مؤسّسات وطنهم ودولتهم أمرٌ طبيعيّ، فهم جزءٌ من الأمة التركية ويرون أنفسهم جزءًا منها. هذا الوطن ينتمي إليه متعاطفون معي، كما ينتمي إليه مواطنون متعاطفين مع آخرين كذلك، وهم كثيرون، كيف لي أن أعرف من يتعاطف معي؟ على العموم فأنا لا أعرف حتى كيف تعيَّنوا في مناصبهم، وكيف لي أن أعرف ذلك؟
س: لكن الاتهام الحكومي التركي لك بأن أنصارك بتوجيهات منك يحاولون زعزعة الحكومة التركية، هل ترفض هذه التهمة؟
ج: هذا الاتّهام غير منطقيّ، ولا يقوم على أي دليل. كما ذكرتُ لك فإن بعض المغرضين يزعمون أن بعض من يتظاهرون بالتعاطف معنا قاموا بقيادة آخرين في الجيش في هذه العملية. هذا الأمر يبدو أشبه بفيلم هوليوودي وليس بعمل انقلابيّ عسكريّ، يبدو الأمر وكأنه خطّة مدبّرة ويبدو مما رأيناه أنهم جهزوا الأرضية كي تستوعب ما سبق لهم التخطيطُ له. أنا أقول هذا الأمر بحذر شديد وأتجنّب القفز نحو الاستنتاجات أو الإدلاء بتصريحات جازمة، ولكن هذا ما يبدو الأمر عليه.
س: هل أنت مستعدّ للعودة إلى تركيا؟
ج: العودة إلى تركيا ستزيد من تعقيد الأمور وتجعلها مشكلة مستعصية على الحلّ. هم سيبذلون قصارى جهدهم في سبيل إعادتي، ولكن أؤكد مرة أخرى وأقول: إذا تمكنوا من إثبات عُشر التُّهم التي يوجّهونها ضدي فسوف أقبل كل ما يطلبونه تطوعا.
هل يستطيعون استعادتكم بالطرق القانونية؟!
ج: لا أظن ذلك. لكن كلّ ما يحصل سيكون بإرادة الله ومشيئته.
س: هل هناك رسالة تقولها للرئيس أردوغان؟
ج: أنا فقط أدعو له ألا يقابل الله بكل تلك الآثام التي اقترفها.
تم بث هذه المقابلة في قناة سي إن إن العالمية يوم ٣١ يوليو ٢٠١٦، وقد أجرى المقابلة مع الأستاذ كولن المذيع الشهير فريد زكريا.