س: في البداية كيف ترون موقف الحكومة التركية من التعامل مع محاولة الانقلاب الأخيرة ومن طلب تسليمكم إلى تركيا، خاصة أن ما لوحظ خلال تصريحات رئيس وزراء تركيا الأخيرة لصحيفة “وول ستريت جورنال”، وكذلك تصريحات محامي الحكومة التركية مع محطة “سي إن إن” لم تدل على أن تركيا لديها أدلة كافية أو قوية على تورطكم في محاولة الانقلاب؟
ج: الحقيقة أن موضوع المطالبة بتسليمي بدأ بعد فضائح الفساد في ١٧ و٢٥ ديسمبر في العام 2013 حيث أصدروا قرارا بمكافحة خرافة “الكيان الموازي” التي أطلقوها على حركة الخدمة ثم عادوا بعد ذلك وقالوا “لا” ليست كيانا موازيا، بل هي “منظمة إرهابية”. هذا قبل أن تقع أحداث ١٥ تموز/يوليو. لقد تكررت المطالبات بتسليمي قبل الانقلاب المزيف. لكن الإدارة هنا في أمريكا لم تُلقِ لها بالا. السيد أوباما لم يعرها اهتماما، وكذلك وزير خارجيته. أرسلوا إلى هنا تقارير ملفقة تم ترتيبها في وقت مسبق تمتلئ بمزاعم لا دليل على صحتها. أعتقد أن المؤسسات القضائية تدرس تلك التقارير، وتناقش ما إذا كانت تتضمن وثائق جادة. ولكن أرى أن القناعة السائدة لدى المتابعين لهذا الشأن في أمريكا أنه لا يوجد أدلة مقنعة تقتضي تسليم العبد الضعيف لهم.
سبق أن قدم العبد الفقير إليهم مقترحا دعوتُ فيه إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية تتحرى الموضوع بكل تفاصيله. أنا لست هناك في تركيا أنا هنا، فأيّ نوع من المغامرين كان وراء هذه الجريمة في تركيا؟ من الذي رتب لها؟ من الذي غرر ببعض السذج ليكونوا جزءا منها؟ من الذي استفزّ الناس للخروج إلى الشوارع بعد منتصف الليل لكي يواجهوا الدبابات؟ من الذي أمر لحظتها برفع الصلوات والنداءات من المآذن للخروج إلى الشوارع؟ من الذي كان السبب في إدخال المدنيين العزل في مواجهات دامية مات جراءها مئات الأبرياء؟ أسأل الله أن يرحم صالحيهم ويسكنهم فسيح جناته. من الذي تسبب في تلك الكوارث والمظالم التي تبعت هذه الأحداث المأساوية؟ الصورة التي شهدناها جميعا تقول بأن الحقد والعداء الذي كان دفينا في قلوبهم من زمن بعيد قد بلغ ذروته، فكان ما كان. ومن ثم عادوا فطرحوا موضوع الترحيل من جديد. أرسلوا بعض المسؤولين إلى هنا، ولا يفتأون يرسلون مجموعات من أعضاء البرلمان يوما بعد آخر لكي يقنعوا المسؤولين هنا.
هذا الفقير كان قد اقترح شيئا، لتتشكل لجنة تحقيق دولية، ولتتحرّ حقيقة الأحداث ما بان منها وما خفي. فإذا ثبت بأنني أنا من دبر هذا الانقلاب، مثلا إن ثبت أنني قلت لواحد في الألف من هؤلاء المتورطين في هذه الجريمة كلمة، ليأتونا بدليلهم، إن هاتفتُ أحدا وقلت له نصف كلمة تتعلق بالموضوع فليأتوا به. ليتحروا مؤلفاتي التي يتجاوز عددها السبعين وهي التي تشكلت عبر ٥٠ عاما من حياتي، إن عثروا على جملة واحدة في هذه الكتب تؤيد كلامهم وتدينني، فسأقبلها حجة للحكم عليّ، وأتقبل الحكم بكل طمأنينة. ليثبتوا مزاعمهم بالدليل، وليكن بعد ذلك ما يريدون. لكنهم لم يستجيبوا لاقتراح العبد الفقير أبدا، رغم أنني كررت ذلك مرارا، لم يقولوا نعم هلموا أبدا، لأن ما يقولونه مجرد مزاعم لا أصل لها.
س: تشير بعض مراكز الأبحاث الأمريكية ووسائل الإعلام إلى احتمالية استخدام تركيا لقاعدة إنجيرليك أداة للضغط على الولايات المتحدة، فما رأيكم في هذا الشأن؟
ج: بما أنهم لا يملكون حيلة ولا حجة، فقد يلجؤون إلى استخدام كل وسيلة. قد يستخدمون قاعدة إنجيرلك لتهديد وابتزاز أمريكا حتى تنفذ مطالبهم. هم يعلمون ماذا تعني إنجيرليك لأمريكا. أمريكا عندها قواعد عسكرية أخرى في تركيا، عندها قواعد في كمال باشا في إزمير، عندها مراصد تتابع من خلالها المنطقة كلها. هذه القواعد في غاية الأهمية لأمريكا. قد يستخدمونها ذرائع لابتزاز أمريكا قائلين إما أن تفعلوا ما نطلبه منكم أو نراجع مواقفنا إزاء هذه القواعد. لذلك أعتقد أنهم اتجهوا ناحية روسيا التي أعلنوها من قبل خصما لهم، يحاولون التصالح وتطبيع العلاقات معها بعدما لم يحصلوا على رد إيجابي من أمريكا. وتذكرون أن أردوغان قبل سنتين كان قد صرح باحتمال انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي، أي إلى جانب روسيا والصين. علما بأن الحكومة التركية عاشت بعض الانتكاسات والتقلبات في بعض الصفقات مع الصين. اتفقوا مع الصين أولا في بعض المشاريع، ثم تراجعوا عنها واتفقوا مع أمريكا، وأغضبوا الصين. الشيء نفسه حصل مع اليابانيين، طبعا أعرف هذه القضايا لأن الإعلام هنا تناقلها وكتب عنها. فهم في حالة يرثى لها، لا حول لهم ولا حيلة، في حالة من الحيرة، يطرقون باب هذا ثم ذلك، ويضربون رأسهم هنا ثم هناك. هذه كلها تبرز مدى العجز الذي يتخبطون فيه. مع ذلك يستخدمون كل الوسائل التي قد تفيدهم في إخضاع أمريكا لمطالبهم. لكن أستسمحكم في أن أقول: أمريكا ليست ساذجة إلى هذا الحد.
س: هناك بعض التقارير الصحفية التي تشير إلى احتمال قيام الولايات المتحدة بترحيلكم إلى دولة ثالثة، فهل تفكرون في ذلك الخيار؟ وهل هناك دراسة للانتقال إلى دولة ثالثة بينها مصر؟
ج: لا أفكر بالمغادرة من هنا حاليا ما لم تكن هناك أسباب قاهرة. أنا مقيم في هذا المكان منذ ١٦ عاما، لم أتعرض لأي إساءة من الجيران أو ممن يعيشون هنا، بل كانوا طيبين ومرحبين بنا دائما. أمريكا دولة كبيرة، لا أفكر في المغادرة من هنا دون أسباب اضطرارية. ولكن كما قلت قبل قليل إذا صدر قرار قضائي في حقي للترحيل من هنا فإنني سأغادر إلى تركيا دون تردد. أنا أعيش آخر أيام حياتي. ولعلها تكون فرصة يمنحني الله إياها لأبصق على وجوه الظالمين قبل أن أتابع مسيري إلى الدار الآخرة بإذن الله. بلدان مختلفة من العالم وجهت لنا دعوات في أوقات مختلفة. وصلتني دعوة من روسيا في زمن سابق من قبل السيد جيرينوسكي للإقامة فيها. هناك دعوات من كاليفورنيا هنا، ومن كندا كذلك حيث يؤكدون حرصهم على توفير الراحة والأمن لنا. ولكن شخصيا لم أفكر بهذا أبدا.
مصر، وبعض وجوه مصر من المثقفين والمسؤولين تصرفوا بما يعبر عن شهامتهم ونبلهم وفضيلتهم. ولا أحسب أن تداول مثل هذه الموضوعات في المنابر الإعلامية والسياسية يتم بمنأى عن القائمين على تدبير الشأن في البلاد. لذلك أنتهز الفرصة وأقدم شكري لكل من تعاطفوا مع العبد الضعيف من صميم قلبي. في الحقيقة مكانة مصر في نظري لا تقل عن تركيا. يصف بديع الزمان النورسي “المصريَّ” بأنه ابن الإسلام الذكي. ومن ثم تتميز مصر بنفس الأهمية التي تتميز بها تركيا. شخصيا لا أريد أن تسوء العلاقات بين مصر وتركيا وتنقطع. لا أريد أن أكون سببا يجرّ على مصر مشاكل لها من جانب تركيا. لذلك أفضل البقاء هنا حاليا، مع تقديم عظيم شكري وامتناني لأشقائنا المصريين على هذه اللفتة الإنسانية الطيبة التي لا يمكن أن أنساها ما حييت.
س: كيف ترون تدخل أردوغان في شئون مصر الداخلية وخاصة تأييده للإخوان المسلمين في تركيا بعد أن قامت بكثير من الاضطرابات في مصر؟
ج: تعرفت على الإخوان المسلمين غيابا. قرأت بعض مؤلفات حسن البنا في زمن سابق، لكن لم يكن هناك أي تواصل مباشر بيننا وبينهم. أنا أعتقد أن الإنسان قد يكون قوي الإيمان، قوي الارتباط بالله تعالى، لكن السعي إلى طلب الدنيا، وخوض ساحة السياسة والرغبة في الحصول على السلطة، هذه الأمور وأمثالها لم أستسغها سواء لنا أو لآخرين. برأيي أن الذين نذروا حياتهم لخدمة الدين وابتغاء مرضاة الله تعالى ينبغي ألا يتشوّفوا إلى الإدارة أو الدنيا، هذه رؤيتي منذ البداية. لذلك أضع من يفكر على هذا النحو في موضع معين. لا يعني هذا أنني أرفضهم، أو أقف ضدهم، أو أعاديهم، ولكن أضعهم في مكان معين. باعتقادي ينبغي أن نتحلى بروح العفاف والاستغناء في هذا الموضوع بالذات. فلا أدري هل هؤلاء أخذوا بمذهب الاستغناء أو لم يأخذوا.
انطلاقا من رؤيتي هذه أختلف مع القائمين على السلطة في تركيا. أعتقد أن الإخوان يعتبرون مَن في تركيا منهم، وأنه قائد عظيم يتحكم في مصير العالم. أنصاره ينادونه بقائد العالم، وقيادات الحزب يزعمون أن مصر وسوريا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى ليس لها سوى قائد واحد وهو الذي في تركيا. هناك في الإخوان من ينظرون إليه على أنه منهم، يثقون به ثقة عمياء، ويعتقدون أنه بعد أن يُحكم قبضته على زمام الأمور في تركيا سيبسط سلطانه على العالم الإسلامي كذلك. في الحقيقة هو تتسلّط عليه هذه الرغبة، يحب أن ينادَى بأمير المؤمنين. لديه ضعف نفسي، يرى نفسه في مقام السلطان سليمان القانوني، مصاب بلوثة العظمة. ومن الواضح أنه يتلذذ بأن يلقب بهذه الألقاب. نقل عنه أحد الصحفيين الذين كانوا برفقته في إحدى جولاته ببلاد المغرب العربي أنه بينما كان يخترق جموع الناس ناداه أحدهم قائلا “أهلا وسهلا بأمير المؤمنين”، فالتفت إلى من بجواره قائلا: “هل أنا طلبتُ منه أن ينعتني بأمير المؤمنين؟ لكن الناس تراني هكذا”.
رجل بهذه النفسية يتظاهر بأنه يدعمهم، لكنني أعتقد أنه لم يقدم لهم شيئا إيجابيا، لم يقدم شيئا إيجابيا لغزة. كانت جمعية “كيمسه يوكمو؟” أسبق من الحكومة لنجدة أشقائنا المظلومين هناك وبادرت إلى مساعدتهم، ولكن للأسف القيادة الحالية صادرت ممتلكات جمعية “كيمسه يوكمو؟” كذلك، أخذوا كل ما لديها، وقطعوا الطريق أمام المساعدات التي كانت تُرسَل إلى هناك. ومؤخرا القيادة الحالية قامت ببعض المساعدات الشكلية فحسب.
تم نشر هذا الحوار بتاريخ ٣ أغسطس ٢٠١٦.