إن مسارعة أردوغان والموالين له إلى اتهام الخدمة بعد محاولة الانقلاب مباشرة، واستهدافنا بتلك الاتهامات قبل تكشف الحقائق ودون أي دليل، ثم تطور الأحداث بعد ذلك نتيجة لهذه الاتهامات من تشريد واعتقال عشوائي لمجرد التعاطف مع الخدمة، أو دعم الأعمال الخيرية التي تقوم بها، واختلاط الحابل بالنابل هو ما دعا إلى القول بأنها “مسرحية”. والآن وبعد ما شاهدنا ما آلت إليه ماكينة الظلم والافتراءات يمكننا القول بأنها “مؤامرة”.
تناقضات الأمس واليوم
لقد كانت الموضة السائدة بالأمس قبل انكشاف فضائح الفساد في العام 2013 التي ثبت فيها بالأدلة المصورة تورط شخصيات كبيرة من الوزراء وأبنائهم.. كانت الموضة مدح حركة الخدمة والإشادة بمنجزاتها على الصعيدين المحلي والعالمي. فإذا راجعت الفيديوهات الموجودة على أرشيفات اليوتيوب والعالم الرقمي فستجد أن كل من كان يمسك بيده الميكروفون من المنسوبين إلى الحزب بمن فيهم أردوغان، يسردون قصصا ملحمية في مدح الخدمة، لكن بعد هذا التاريخ تحديدا وبعد اكتشاف ملفات الفساد والسرقات والرشاوي التي تورط فيها قيادات من الحزب والتي كشفت عنها تحريات الشرطة وتحقيقات النيابة إذا بهم يصنفونها في عداد الخائنين..
الآن وبعد ما شاهدنا ما آلت إليه ماكينة الظلم والافتراءات في تركيا يمكننا القول بأن محاولة الانقلاب كانت “مؤامرة” ضد حركة الخدمة.
وبدلا من تفعيل العملية القانونية ومحاولة إثبات براءتهم من التهم المنسوبة إليهم في ساحات القضاء راحوا يتهمون الخدمة بمحاولة تدبير انقلاب على الحكومة، دون أي دليل يثبت افتراءاتهم تلك، في محاولة غير نزيهة للتغطية على تلك الفضائح، وبدأوا يمارسون إجراءات في الشرطة والقضاء بحيث يكون الجميع تحت وصايتهم ويتمكنون من الإفلات من جرائمهم.
استجابة أمريكية
ثم طالب في تصريح علني أمام الحشود الجماهيرية رئيسُ الجمهورية الحالي الذي كان رئيس الوزاء آنذاك الولايات المتحدة بإعادتي، ولكنهم لم يتقدموا بطلب رسمي، بل كانوا يقدمون أثناء مقابلاتهم مع المسؤولين الأمريكيين اقتراحات مغرية لتحقيق هذا الطلب، ولكنهم لم يجدوا استجابة في هذا الصدد من الأمريكيين، وأظن أنهم لن يجدوا شيئا من ذلك هذا اليوم أيضا، فالولايات المتحدة لن تغامر بسمعتها في سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحفاظ على القيم الديمقراطية، لمجرد تلبية رغبات شخصية لبعض الناس. قد يستطيعون خداع البعض ممن يسير خلفهم أو يصدق كلامهم بلا أي دليل أو برهان لكن حيلهم تلك لن تنطلي على العالم.
بدلا من تفعيل العملية القانونية ومحاولة إثبات براءتهم من التهم المنسوبة إليهم في ساحات القضاء راحوا يتهمون الخدمة بمحاولة تدبير انقلاب على الحكومة.
لجنة تحقيق
وفي المقابل، أود أن أكرر هنا ما قلته سابقا في مناسبات عديدة: فلتتشكل لجنة دولية من قِبَل أطراف محايدة، تقوم بالتحقيق في محاولة الانقلاب المشؤوم هذا، فإذا أثبتت الأدلة –كما يدَّعون- أنني المخطط أو الموجه لهذا الانقلاب، أو لي أدنى صلة به، فلن أنتظر ساعتها قرار الولايات المتحدة، وسأحجز تذكرني إلى تركيا على حسابي الشخصي، وأسلم نفسي للعدالة هناك ليبتوا في شأني بما يشاءون.
المصدر: مواقف في زمن المحنة، حوارات إعلامية مع فتح الله كولن، نوزاد صواش-صابر المشرفي، ص: ٩١-٩٣ دار النيل للطباعة والنشر، ٢٠١٧، الطبعة الأولى، القاهرة
ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.