﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾(الشُّورَى:29)
تذكر هذه الآية من السابق كدليل على احتمال وجود أشكال من الحياة -في عوالم أخرى غير عالمنا- مشابهة للموجودة في أرضنا أو مختلفة عنه، وهـذا صحيح.كما أن عبـارة ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إذَا يَشَـاءُ قَدِير﴾ (الشورى:29) قد يفهم منها أنه من الممكن أننا سنستطيع الذهاب إليهم أو يقومون هم بالمجيء إلينا.
فالدبيب يعني الحركة، والدابة تعني المتحرك. ومع أنه يمكن استعمال هذا التعبير بالنسبة للجن والروح والملائكة، إلا أن العرف في الشرع حتى الآن هو في استعماله للكائنات المادية الموجودة على الأرض. لذا يمكن القول بأنه من المحتمل أن الله تعالى خلق في السماوات مخلوقات مثل الإنسان وغيره من الأحياء الأخرى، وأنه يستطيع إن شاء أن يجمعهم معا. وكما سيجمع كل الناس وكل شيء ويحشرهم في العالم الآخر، كذلك يستطيع جمع المخلوقات الموجودة في أركان الكون معا.
ومع أن بعض المفسرين ذكروا أن الطيور هي المقصودة من تعبير الدابة الموجودة في السماء، ولكن هذا تفسير بارد ولا يستطيع حدس الجانب الإعجازي هنا. والأفضل والأنسب قبول وجود مخلوقات في نظم بعيدة وقريبة مشابهة للمخلوقات الموجودة على الأرض مثلما قال وذهب إليه الإمام مجاهد.
ونحن ندع هذا الموضوع للعلماء والباحثين المؤمنين في المستقبل نرى عدم استبعاد وجود عوالم أخرى في أرجاء الكون مشابهة لعالمنا ووجود مخلوقات وكائنات فيها.
والله أعلم بالصواب.
﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾(الشُّورَى:30)
لا يخالف المنطق الشرعي أن نقول بأن كل مصيبة تصيبنا هي عقاب على إثم اجترحناه. ولكن لو عوقبنا على كل ذنب اقترفناه لتزاحمت المصائب على رؤوسنا ولما وجدنا فرصة للراحة. أي لو عوقبنا بالأفعال التي تكون خارجة عن رضاه في كلامنا ومجالسنا وتجولنا لما سنحت لنا فرصة للهدوء. وهذا يعني أن الله تعالى الذي سبقت رحمته عذابه يعفو عن الكثير من ذنوبنا، ومن يدري كم من المرات يعفو عنا في اليوم الواحد، وهذا هو ما تسجله الآية الكريمة ﴿ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى:30).
والحقيقة إن معرفة الإنسان بأن المصائب التي تصيبه هي نتيجة أعماله وما اقترفته يداه هي من أمر القرآن. وأي تفكير مخالف لهذا يسوق الإنسان إلى التفتيش عن متهم ومذنب خارجي. ومثل هذا الإنسان لن يجد مثل هذا المذنب، ولا يتخلص عن إثم سوء الظن.
أجل!… يعطينا القرآن مقياسا في البحث عن المذنب: المذنب ليس شخصا آخر، بل هو أنفسنا. لنقل مثلا إننا تعثرنا -نتيجة سهو وعدم انتباه- بقدح وكسرناه وانسكب الشاي الموجود فيه وأحرق قدمنا. في مثل هذه الحالة لا يفيدنا الغضب والبحث عن مذنب والصراخ: “من وضع هذا القدح هنا؟”. بل علينا أن نرجع إلى أنفسنا ونقول: “يا رب!… لا وجود للمصادفة في حوادث الكون. يجوز أن يكون هذا عقابا لي على ما اقترفته… فاغفر لي ذنوبي”. ولا نقوم بتوبيخ الآخرين. فإن قمنا بالتفتيش عن مذنبين آخرين كنا قد تصرفنا ضد الآية الكريمة ﴿وَلاَ تُزَكُّو أنْفُسَكُم﴾ (النجم: 32). كما يتضمن أيضا سوء الظن بالآخرين أي مخالفة للآية الكريمة ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظّنِّ﴾ (الحجرات: 12).
أجل!… إن اتهام الشخص لنفسه عند وقوع المصيبة يسوق الإنسان إلى مراقبة النفس. ألم يكن رسول الله صلىوسلما يفزع إلى الصلاة وإلى الدعاء والتوجه إلى الله والاستغفار منه عند كل ملمة تلم به؟.
وكلمة “أيديكم”الواردة في الآية الكريمة لا تعني الذنوب التي تقترفونها بأيديكم فقط، بل تعني كل الذنوب التي تشارك فيها أيديكم وأرجلكم وسمعكم وأبصاركم… الخ. أي جميع الأعمال التي يشارك في أدائها جميع أعضائكم. لذا يمكن النظر إلى جميع الذنوب -بدءً من الغيبة ووصولاً إلى الزنا- من هذا المنظار.
أحياناً يوجد هناك تناسب بين كيفية مجيء المصائب وثقلها وبين الأخطاء والذنوب المرتكبة، وأحياناً لا يوجد. غير أن كل مصيبة تعد بالنسبة للمؤمن حوض تصفية وتطهير، يذهب إليه المؤمن ويتطهر من ذنوبه، فيحافظ على النقاء الموجود في سريرته ويصونه.
في حديث شريف يرويه ابن أبي حاتم يقول رسولنا الطاهر المطهر صلىوسلمب : “لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر”. وسواء أغفر الله تعالى تلك الذنوب مباشرة، أو تحويلها إلى مصائب وتطهير الإنسان بها فإن الإنسان لن يبقى متلطخا بالذنوب. فكما قال علي رضي الله عنه فإن الله تعالى أعدل من أن يحاسب عبداً يوم القيامة عن ذنب سبق وأن غفره له، ولا أن يعاقبه يوم القيامة على ذنب سبق وأن عاقبه بسببه في الدنيا.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.