﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾(الأَحْزَاب:4)
كان سيدنا زيد بن حارث طليق الرسول صلىوسلمم . ومع وجود والده فقد فضل زيد رسول الله صلىوسلمو على والده وبقي معه، فتبناه الرسول صلىوسلم . وأصبح يدعونه لفترة من الوقت “زيد بن محمد”. ومنع القرآن الكريم بهذه الآية إطلاق هذا الاسم عليه، وحذّرَ في الوقت نفسه أن يدعى أحد لغير أبيه وأمه، ودعا إلى أن يُنْسَبَ الابن إلى أبيه إن كان معروفا. ومنع بذلك التبني. وبعد نـزول هذه الآية بدأوا يطلقون على زيد اسم زيد بن حارثة. كما أطلقوا اسم فلان مولى فلان على الذين اهتدوا على يد المسلمين، مثلاً: سالم مولى حذيفة.
والأمر الآخر الذي تشير إليه الآية الكريمة هو أن عرب الجاهلية كانوا يعتقدون أن الشخص الذكي يحمل في جوفه قلبين وأن زوجـات الذيـن يظاهرون نساءهم يكن مثل أمهاتـهم بـهذه المظاهرة لذا قامت الآية بضربة واحدة بإزالة هاتين العقيدتين.
والآن لنـأت إلى عدم حمل الإنسان لقلبين في جوفه. لا شك أن القلب المقصود هنا ليس هذا القلب المادي الذي هو عبارة عن قطعة لحم بالشكل المعروف للجميع. إنه القلب الذي تناوله أرباب التصوف بالوصف والتقييم. وهذا هو المفهوم من سياق الآية. أجل… إن الإنسان لا يمكن أن يكون له قلبان مفتوحان أحدهما للتوحيد مثلاً والآخر للشرك، أحدهما للإخلاص والآخر للرياء، أحدهما للحقيقة والآخر للكذب. أحدهما للحق والآخر للباطل. الأبيض أبيض، والأسود أسود. أجل… لم يجعل الله أزواجنا اللائي نظاهرهن أمهاتنا، ولا جعل من نتبناه من الأولاد أبناءنا، كما لا يملك الشخص الذكي قلبين. هذا هو قولكم بأفواهكم والله هو الذي يعلم الحق ويهدي للصواب.
إذا نظرنا للموضوع من زاوية أخرى نقول بأن الإنسان قد يبدو في أزمان مختلفة ونتيجة لظروف مختلفة في شخصية مزدوجة. ولكن الإسلام لا يسمح أبدا بهذا الوضع الذي يكون بداية لدائرة مفرغة. لأن هذا يجعل الإنسان أخطر حتى من الكافر. أما عاقبة مثل هذا الشخص -حسب تعبير الآية- فهو في الدرك الأسفل من النار. إن الإنسان إن كان يستطيع الإدعاء بأنه يسير على السبيل القويم الذي رسمه الله تعالى، ويستفيض في ذكر علاقته بالله، مع أنه غارق -من جانب آخر- في الباطل، مثل هذا الشخص يحمل إذن -حسب تعبير الآية- قلبين في جوفه. ولكن الآية ترد هذا وترفضه وتؤكد استحالته. والله تعالى عندما يقول في آية أخرى ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾ (آل عمران: 19) ألا يقوم برد الازدواجية والأثنينية؟
أجل… عندما يكون الطريق واحداً يكون القلب واحداً. ومن يتبع طرقا مختلفة لن يستطيع الخلاص من الاضطراب والتشوش في عالم الفكر والتصور والقلب. أما ما وراء هذا فهو -كما يذكر القرآن الكريم- مجرد أقوال لا غير. فماذا تقول مثلا في شخص يقول إنه مسلم، ولكن تجده في الوقت نفسه يتصرف كملحد ويقوم بإهانة الدين والكتاب والرسول؟… مثل هذا الشخص ذو وجهين ومثال للنفاق وللشقاق.
والخلاصة ما من شخص يحمل قلبين ولا وجدانين. فالقلب في أعماق عالمه قلب واحد في نقطة استناده، وهو أقوى شاهد أنفسي على وحدانية الله تعالى. وليس كل من تقولون عنهن -من طرف اللسان- أنـهن أمهاتكم هُنّ فعلا أمهاتكم، ولا الذين لم يولدوا من أصلابكم يمكن أن يكونوا أولادكم. في هذه المسائل الثـلاث هناك تناقض مع الحقائق، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي إلى السبيل القويم، ويدعوكم لكي تنسجموا مع وجدانكم ومع أنفسكم.