إنّ الركيزة الأهمّ في بناء الأخلاق هي الإيمان والعقيدة، ولكن ليس الأمر اعتقادًا فحسب، فالعقيدة إن لم تُدعّم بالتطبيق العملي، ولم يسلك الإنسان طريقًا يقتضيه إيمانه فستظل العقيدة مجرّد قناعة ليس إلا؛ وهذا أمرٌ يجعل العقيدةَ غير موجِّهة للفرد ولا مؤثِّرة في حياته الشخصيّة والأسريّة والاجتماعيّة.
والحقّ أن الإيمان هو مصدرٌ للقوة والنور، والكفر مصدرٌ للضحالة والخواء، لكن الإيمان الحقيقي لا تظهر قوته إلا بالعمل، ويتعسر لمن لا إيمان له أن يكون نافعًا لمجتمعه، والنافعون منهم قلّة قليلة جدًّا، فمثلًا هناك مَن لا يؤمن لكنه عفيف، وإذا نظرنا إلى هذا الأمر من حيث معاييرنا الأساسية، فلا أدري أيُعدّ هذا الشخص من الفضلاء أم لا؟ فالفضيلة الحقّة هي التي تعتمد أصلًا على الإيمان والشعور بالمحاسبة.
أجل، إن الإيمان بالله والملائكة والرسل والكتب السماوية واليوم الآخر والبعث والنشور والجنة والنار والقَدَر؛ من أهم العناصر التي تنظم حياتنا وتصل بنا إلى مستوى الملائكة، وتكفل لنا معيشةً قائمة على النظام والتوازن، ومن الأهمية بمكانٍ أداء ما يقتضيه الإيمان بهذه الأمور.
إن لم تُدعّم العقيدة بالتطبيق العملي، ولم يسلك الإنسان طريقًا يقتضيه إيمانه، فستظل العقيدة مجرّد قناعة ليس لها تأثير في حياة الفرد الشخصيّة والأسريّة والاجتماعيّة ولا دور لها في توجهيه.
إن الآخرة مَحكَمةٌ لكل ما جرى في الدنيا، ومكانٌ يحاسب فيه العبد عن شكره لربه سبحانه وتعالى الذي خلقه في أحسن تقويم.
إن في الدنيا حشودًا من الظالمين والجاحدين ومن يصرّون على تجاهل حكمة الله تعالى في آثاره المعروضة للعيان، بل هناك مَن يغمض عينيه ويتعامى عن تلك الكثرة الكاثرة من الجماليات الظاهرة؛ هؤلاء لهم أعين لا يبصرون بها، وآذان لا يسمعون بها، وقلوب لا يفقهون بها؛ رغم ما بين الآلاف من الألوان والأصوات والنقوش واللهجات من تناغم ووئام.
سيبعث الله تعالى هؤلاء هم والمؤمنين وسيعدّ لهم الجنة والنار، وسيشرِّف الصالحين الفضلاء منهم بدخول جنّته، جزاءَ ما قاموا به في الدنيا من فضلٍ وكمال، فقد بلغوا أعلى مرتبةٍ في كمال الإنسانية، وعاشوا منفتحين على الحياة القلبية والروحية، في شوقٍ إلى بلوغ المعالي والكمالات.
أجل، إن المؤمن يفكر هكذا، وينظّم حياته وفقًا لذلك، لذا ينبغي أن تكون عقيدة الفرد والمجتمع متينةً جدًّا حتى تحفظهما قوة الإيمان من شتّى الأحاسيس المضلِّلة.
لا خير يُرجى من عائلة أو مجتمعٍ أو أمة تتشكّل من أفرادٍ مذبذبين بين الإيمان وعدمه.
فلا خير يُرجى من عائلة أو مجتمعٍ أو أمة تتشكّل من أفرادٍ مذبذبين بين الإيمان وعدمه، على الناس بداية أن يكون إيمانهم بالآخرة -وهي غد الدنيا-أشدَّ من إيمانهم بغدِ أيامهم؛ حتى يكونوا قريبين من ربهم نافعين لمجتمعهم.
أجل، كما يحمل الإنسان همّ الجوع إن لم يعمل، فعليه أيضا أن يؤمن يقينًا بأن الله تعالى سيحاسبه حسابًا شديدًا إن لم يحسن العمل في الدنيا ويقُمْ بمقتضى ما يقرره إيمانه في شؤون حياته، والفردُ الذي يعتنق مثل هذا الإيمان يتجه إلى الأعمال الصالحة بقوة الدفع المركزية التي يشكّلها إيمانُه، ويبذل وُسعه للوصول إلى ربه عفيفًا طاهرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: من البذرة إلى الثمرة، دار النيل للطباعة والنشر
ملحوظة: بعض العناوين وبعض العبارات من تصرف المحرر.