(نسمات أونلاين)ــ أبوزيد عبد الرحيم ــ في إطار مجموعة التقارير التي أعدها موقع نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية لتسليط الضوء على ملابسات ونتائج الانقلاب المزعوم الذي شهدته تركيا في 15 تموز / يوليو 2016، والذي وصفته تقارير استخباراتية دولية بـ”بالانقلاب المدبر” أصدر موقع نسمات تقريره الثاني بعنوان “تركيا أكبر سجن للصحفيين”، تزامنًا مع الانتخابات التركية التي وصفها المراقبون بأنها أهم انتخابات تجرى في البلاد منذ عقود، نظرًا لأنها تؤذن بانتهاء النظام البرلماني وبدء النظام الرئاسي الذي يمنح الرئيس صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة.
يقدم التقرير صورة حقيقية عن طبيعة الوضع المزري الذي آلت إليه حرية التعبير في تركيا، لا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، ويسلط الأضواء على الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون الأتراك من اعتقالات ومحاكمات وتهديد ونفي وتشريد إجباري من البلاد ومصادرة ممتلكات وأوضاع معيشية صعبة؛ وذلك من خلال المعلومات والبيانات الواقعية التي تتناقلها وسائل الإعلام المحلية والعالمية، والواردة في تقارير منظمات حقوق الإنسان، والتي تؤكد جميعها أن تركيا أصبحت دولة لا تحترم حرية مواطنيها، ولا سيما ما يخص حرية الإعلام؛ إذ يمثل عدد الصحفيين المعتقلين في تركيا نصف عدد الصحفيين المعتقلين حول العالم، فطبقًا لمؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود (RSF)أبريل 2018جاءت تركيا في الترتيب 157 من بين 180(تراجعت تركيا نقطتين عن العام الماضي)، كما أغلقت السلطات التركية 189 وسيلة إعلامية على الأقل؛ بموجب مرسوم تنفيذي أصدرته في إطار حالة الطوارئ المفروضة على البلاد، مما حدا بالبعض بأن يصف ما يحدث في تركيا بأنه “موت الصحافة”.
حقائق وأرقام
تأتي أهمية التقرير نظرا لما يحتويه من معلومات حديثة ودقيقة عن عدد الصحفيين المسجونين والمقبوض عليهم، وذلك من خلال محادثات هاتفية ولقاءات خاصة أجريت مع عدد من المصادر الموثوقة، وكذلك عن طريق تحليل ومراجعة القوائم التي أعدتها المؤسسات الإعلامية المعتمدة ومنظمات حقوق الإنسان، والتي أكدت الحقائق والأرقام التالية:
يسلط التقرير الأضواء على الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون الأتراك من اعتقالات ومحاكمات وتهديد ونفي وتشريد إجباري من البلاد ومصادرة ممتلكات وأوضاع معيشية صعبة.
ـــ اعتقال السلطات التركية منذ صبيحة الانقلاب 319 صحفيًّا.
ــ صدور مذكرات اعتقال بحق 142 صحفيًّا آخرين مشردين خارج البلاد الآن.
ــ بلغ عدد الصحفيين الذين تمًّ محاكمتهم قضائيًّا خلال العام المنصرم، 839 صحفيًّا.
ــ الصحفيون المحتجزون في السجون من خلفيات ثقافية مختلفة، تجمعهم صفة مشتركة وهي أنهم معارضون للحكومة.
ــ التهم الصادرة بحق الصحفيين الأتراك هي انتماؤهم لمنظمات إرهابية.
ـــ هناك 124 صحفيًّا معتقلا ممن كانوا يعملون في المؤسسات الإعلامية لحركة الخدمة بتهم “العضوية في منظمة إرهابية” و”الترويج للإرهاب”.
ــ 44 صحفيًّا آخرين متهمين بانتمائهم لحزب العمال الكردستاني.
ــ 11 صحفيًّا يساريًّا من جريدة “جمهوريت”، اعتقلوا بتهمة العمل لصالح حركة الخدمة، وحزب العمال الكردستاني.
ـــ اعتقال بعض أشهر الصحفيين الذين يحظون بالاحترام في تركيا، من أمثال الصحفية “ناظلي إلجاك”، والصحفي “أحمد ألتان”، وأخيه” محمد ألتان”، المحكوم عليهم مع ثلاثة صحفيين آخرين في 16 فبراير 2018 بالسجن المؤبد، وكذلك الصحفي “هدايت كاراجا” رئيس مجموعة “سمانيولو” الإعلامية وعضو المجلس الأعلى للصحافة التركية، الذي حكم عليه بالسجن المؤبد في 8 يونيو 2018.ـ
ــ أما عن وسائل الإعلام التي أغلقتها الحكومة فمجموعها حتى الآن 189 وسيلة إعلامية مختلفة منها، 5 وكالات أنباء، 62 جريدة، 19 مجلة، 14 راديو، 29 قناة تلفزيونية، 29 دارًا للنشر تابعو لحركة الخدمة، هذا فضلًا عن كثير من القنوات والإذاعات الكردية واليسارية والعلوية المستقلة، بخلاف حجب 127.000 موقعًا إلكترونيًّا، 94.000 مدونة على شبكة الإنترنت منها موقع “ويكيبيديا” الموسوعي.
سيطرة الخوف على المشهد الإعلامي
يوضح التقرير أنه في ظل حالة الطوارئ المستمرة في تركيا أفرغ الإعلام المستقل من مضمونه تمامًا، باستخدام قوانين مكافحة الإرهاب، والتهم الملفقة، لاستهداف المعارضة السلمية في تركيا.
كما ينقل التقرير عن حقي بولطن: عضو جمعية “مبادرة الصحفيين الأحرار” التي أغلقت في نوفمبر 2016 قوله: “بالنسبة للصحفيين أصبحت تركيا زنزانة. عندما أغلقت جمعيتنا كان لدينا 400 عضو: هناك 78 منهم اليوم في السجن”.
بلغ عدد الصحفيين الذين تمّت محاكمتهم قضائيًّا خلال العام المنصرم، 839 صحفيًّا، وعددوسائل الإعلام التي أغلقتها الحكومة حتى الآن 189 وسيلة إعلامية.
وفي سياق التعبير عن مناخ الخوف والرعب الذي يسيطر على البلاد، نقل التقرير عن غاوري فان غوليك، نائبة مدير برنامج أوروبا في منظمة العفو الدولية قولها: “مع اقتراب موعد الانتخابات، تحتاج تركيا إلى وسائل الإعلام الحرة اليوم أكثر من أي وقت مضى. فما برح صحفيون شجعان يواصلون عملهم في مناخ من الخوف، ويتعين على العالم أن يبين للسلطات التركية أننا لن ننسى هؤلاء، أو ننسى العشرات من الصحفيين الذين يقبعون وراء القضبان. فما نشهده اليوم في تركيا، ليس سوى محاولة لاستئصال شأفة الصحافة الحرة. وقد أصبحت تركيا أكبر سجّاني العالم للصحفيين، حيث وصلت الأحكام الصادرة بحق بعضهم إلى السجن المؤبد، لا لشيء إلا لأنهم يقومون بعملهم”.
لقد أوضح التقرير أنه ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة واجه ما يزيد عن 203.518 شخصًا تحقيقات جنائية، وربما إجراءات للمقاضاة، بينما سجن ما يزيد عن 75.000 شخص في انتظار محاكمتهم. كما تضم تركيا الآن أكبر عدد من الصحفيين المسجونين، حيث يقبع أكثر من 192صحفيًّا وراء القضبان.
معاناة الصحفيين داخل السجون التركية
أوضح التقرير بصورة مفصلة، وبذكر أمثلة لصحفيين كثر ما يعانيه هؤلاء المعتقلون من الصحفيين من أوضاع مزرية داخل السجون التركية، ومنها:
ــ فرض السلطات التركية قيودًا صارمة على اتصال السجناء مع محاميهم.
ــ لا يسمح لبعض السجناء باستلام الرسائل أو الكتب الآتية من الخارج.
ــ يُسمح فقط لأقرب الأقارب مرة في الأسبوع بزيارة السجناء، من خلال نوافذ زجاجية وعن طريق الهاتف.
ــ الشكاوى من طول فترة الحبس الاحتياطي، والحبس الانفرادي، وعدم المراعاة الطبية لذوي الاحتياج من المرضى، وتكديس المحتجزين في عنابر لا تسعهم بالإضافة إلى ألوان من التنكيل والإساءة والتعذيب والانتهاك البدني والنفسي.
ومن الأمثلة العديدة التي ذكرها التقرير والتي تداولتها وسائل الإعلام التركية، حالة “عائشة نور باريلداك” لأنها أرسلت رسالة من السجن لجريدة “جمهوريت” تشتكي فيها من معاناتها داخل السجن؛ فقد تعرضت للضرب والتعذيب، بالإضافة لتعرضها للتحرش الجنسي.
أوضح التقرير أنه ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة واجه ما يزيد عن 203.518 شخصًا تحقيقات جنائية، وربما إجراءات للمقاضاة، بينما سجن ما يزيد عن 75.000 شخص في انتظار محاكمتهم.
كما تناول التقرير أيضًا أوضاع الصحفيين المعيشية خارج السجون، حيث ذكر أن إغلاق السلطات التركية لأكثر من 189 مؤسسة صحفية أدى إلى فقدان أكثر من 30% من العاملين في مجال الصحافة والإعلام لوظائفهم. بالإضافة إلى أن وضع أسماء هؤلاء في القوائم السوداء التي أعدتها الحكومة، يحرمهم من فرص العمل خارج مجال الصحافة والإعلام، فضلا عن تعرض ممتلكاتهم للمصادرة.
وتحت عنوان “الصحفيون المشردون في المنافي”، أشار التقرير إلى أنهم يواجهون معاناة من نوع خاص، كالمخاطرة بسلامتهم الشخصية عندما يهربون بطرق غير شرعية، أما الذين استطاعوا الهرب فإن الدولة التركية تقوم بجمع معلومات عنهم، وتجهز بحقهم ملفات، وتحرض عليهم مجموعات من الموالين لهم في الخارج، كما يتم حرمانهم من حقوقهم كمواطنين أتراك، حيث تقوم السفارات والقنصليات التركية العاملة في تلك البلاد التي فروا إليها بإلغاء جوازاتهم أو مصادرتها، كما تحرمهم من حق تجديد جوازات سفرهم المنتهية، ولا تسجل مواليدهم الجديدة.
وفي ختام التقرير تم التأكيد على أن المجتمع الدولي في أكثر من مناسبة، ومن خلال منظمات دولية عديدة عبر عن قلقه من تردي أوضاع الحريات الأساسية في تركيا، لا سيما ما يتعلق بحرية الصحافة والنشر مثل تقرير الأمم المتحدة الصادر مؤخرًا في مارس 2018 بعنوان: “التأثير السلبي لاستمرار حالة الطوارئ على وضع حقوق الإنسان في تركيا خلال عام 2017″، وكذلك تقرير الاتحاد الأوروبي الصادر عام 2018، وتقرير منظمة العفو الدولية المتعلق بحقوق الإنسان وحريات التعبير في تركيا 2017/2018، والموقع عليه من منظمات دولية عديدة منها: منظمة هيومن رايتس ووتش(HRW)، وجمعية الصحفيين الأوربيين(EJA).
إغلاق السلطات التركية لأكثر من 189 مؤسسة صحفية أدى إلى فقدان أكثر من 30% من العاملين في مجال الصحافة والإعلام لوظائفهم.
كما ناشد معدو التقرير الدول التي لجأ إليها هؤلاء الصحفيون، بأن يوفروا لهم تصاريح عمل ليستطيعوا من خلالها ممارسة عملهم الصحفي والتعبير عن هذه التجاوزات، وحمايتهم من التهديدات التي يتعرضون لها.
وانتهى التقرير بملحق ذُكر فيه أسماء وألقاب من تم اعتقالهم من الصحفيين، ومن صدر بحقهم قرار اعتقال، والمؤسسات التي كانوا يعملون بها، وتاريخ الاعتقال، وأسماء السجون التي تم اعتقالهم فيها.
للاطلاع على التقرير كاملا، وتحميله بصيغة بي دي إف اضغط على الرابط التالي: nesemat.com
المصدر: www.nesemat.com