قلب الطفل ومخاوف الموت
لا يهدّئ نفسَ الطفل الرهيفة ويُدخل السكون في قلبه المضطرب الرقيق إلا الإيمان بالآخرة، ولو عاد كلٌّ منّا بخياله إلى أيام طفولته وحلّلها من هذه الزاوية، صدّق على ما نقول.
أجل، قلب الطفل رقيق وحسّاس، لا يملك القدرة على تحليل الأحداث وتفسيرها بواقعية وعقلانية، كما لا يستطيع تخدير نفسه بالملاهي كما يفعل الكبار، فوقع الموت على قلبه أشدّ من وقعه على الكبار، كل حبيب يغادر هذه الحياة، يأخذ معه فلذة من كبده المكلومة، وإذا كان الراحل أباه أو أمه أو كليهما معًا، فذلك يعني الطامة الكبرى؛ فتخبو النجوم التي تضيء سماء روحه، ويسود الظلام في فضاء وجدانه، وأحسب أن صاحب كل قلب يشعر بهذه المشاعر.
هل تبحثون عن السلام؟ السلام الحقيقي ثمرة الإيمان بالبعث بعد الموت.
عندما كنت صغيرًا توفي أحد إخوتي، كنت أذهب إلى قبره، أبسط كفي نحو السماء مناجيًا: “يا رب، هلا بعثته من جديد حتى أرى وجهه الجميل مرة أخرى”.
كيف تطفئون حرقة هذا القلب المفجوع؟ كيف توقفون أنين هذه الروح الجريحة إذا انتزعتم منها الإيمان بالآخرة؟ لن تجدوا دواء لهذا الداء العضال، ولن تستطيعوا إطفاء تلك النار المتأججة مهما حاولتم، الإيمانُ بالبعث فقط يمكن أن يسرّي عن هذا الطفل الذي يتخبط في دوامة من الهواجس والاضطرابات، الإيمان باليوم الآخر، هو المرهم الوحيد الذي يهدئ من روعه.
لا سبيل إلى مواساة هذا القلب الصغير، وإخراجه من مصابه الكبير وهو يهتز بفقد الأحبة واحدًا بعد الآخر، إلا إذا آمن بأنهم طاروا إلى الجنة الخالدة جميعًا. نعم، رحيل قريب أَلِفَه، أو كبير أحبّه، أو حبيب تعلّق به، يترك في قلبه الرقيق جروحًا غائرة لا تندمل.. ولا يمكن مداواة هذه الجروح -لا سيما إذا كان الراحل صغيرًا- إلا بالتفكير على النحو التالي:
“لقد رحل من هنا، لكن الله فتح له أبواب الجنة على مصاريعها، فهو الآن يرفرف طائرًا في رياض الجنة، وإنْ أَمُتْ أرفرف مثله أيضًا”.
لا يهدّئ نفسَ الطفل الرهيفة ويُدخل السكون في قلبه المضطرب الرقيق إلا الإيمان بالآخرة.
أما إذا كان الفقيد كبيرًا فسيردد في نفسه: “إنه مات، ولكنه سيضمّني إلى صدره في الجنة، ويُجلسني في حجره، ويمنحني حبه وحنانه، ويربّت على ظهري ويمسّد شعري”، وبذلك تخفت حرقة الفراق التي أشعلها الموت، وتندمل جراحه النازفة.
هل تبحثون عن السلام؟ إنكم لن تجدوه في مداخن المصانع التي تملأ الأرض، ولا في ترتيب رحلات فضائية بين الكواكب، السلام الحقيقي هو ثمرة هذا الإيمان. أجل، الإيمان الذي يرتكز على عقيدة البعث والنشور هو منبع السلام الحقيقي.
المصدر: نفخة البعث، شواهد الحياة بعد الموت، فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة.