في سؤال وُجِّه إلى الأستاذ كولن بأن البعض نَسَب إليه بعض الأقاويل الغريبة من أمثال أنه “المسيح”أو “المهدي”أو أنه “تكلم مع الله”، وأنه “إمام الكائنات” فأجاب الأستاذ قائلًا:
” مسألة المهدي والمسيح شغلت المجتمعات الإسلامية منذ القدم بطريقة أو بأخرى. أما معالجة المسألة من الناحية العلمية وتقييمها فذلك موضوع آخر. ولقد وُجِد طوال التاريخ من أثبت المسألة ومن نفاها. ولكن أُسيء استغلالها من قِبل أصحاب النوايا السيئة على الدوام. ثم إن بعض الأوساط لفّقوا مثل هذه الافتراءات بالأستاذ بديع الزمان كذلك، واستغلوا التأويلات التي جاء بها في موضوع المهدي والمسيح أيما استغلال، وادعوا -بهتانا وزورا- أنه كان يظن نفسه المهدي أو المسيح.
لقد درس عندي العشرات من الطلبة حتى الآن؛ وجميعهم يشهدون أنني أعُدّ القيامَ بمثل هذه الادعاءات كفرا وضلالا.
دحض فرية أنه المهدي
لقد درس عندي العشرات من الطلبة حتى الآن؛ وجميعهم يشهدون -على اعتبارهم يعرفونني عن كثب- أنني أعُدّ القيامَ بمثل هذه الادعاءات كفرا وضلالا. إنهم سمعوني عشرات المرات أقول “تعرفون أمي وتعرفون أبي، ألا يكفينا أن نكون عبادا لله مخلصين، كن بين الناس فردا من الناس”. أضف إلى ذلك أنني ما رأيت عاقلًا -في البيئة التي نشأتُ فيها ولا في أماكن أخرى- توهّمَ في نفسه رتبة أو مقاما من هذا القبيل. لا يقول مثل هذا الكلام إلا من حُرِم نعمة العقل. ثم إني اعتبرتُ دائمًا هذا النوع من الاتهامات من أشنع الشتائم وأغلظ السِّباب. كما أن الذين يديرون ألسنتَهم بهذه الافتراءات لا يعون أنهم يسخرون من عقول هذه الأمة. هنا أعود لأقول كما قال مولانا جلال الدين الرومي:
لا المهدوية، ولا المسيحية، ولا أي شارة أخرى،
إنما أنا عبد بسيط من عباد الله.
أنا خادم القرآن ما حييتُ، وغبارُ قَدَم النبي ،
وإذا نقل أحدُهم عني غير ذلك،
فإني أبرأ منه وأشكوه إلى الله”.
دحض فرية كلامه مع الله
أما الفرية الأخرى، فإني أستغرب، كيف يقولون هذه الافتراءات بهذه السهولة؟ ومن يدّعي ذلك يعرف حق المعرفة حساسيتي تجاه هذا الأمر. والقرآن يقول بوضوح: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ (سُورَةُ الشُّورَى: 42/51). إن أبسط معلومة إيمانية يمتلكها الإنسان تعلّمه الأدبَ مع الله . نحن نشأنا في بيئة كانت قلوب الرجال فيها ترتجف بمجرد سماع اسم “الله”، وتنحني بانكسار وتذوب بإكبار للذات العلية. نعم، الفقير نشأ في بيئة ثقافية من هذا الطراز، لذا لا يمكن أن تجدوا لا في هذه البيئة ولا في غيرها مَن يدّعي مثل هذه الادعاءات البشعة أبدًا.
دحض فرية إمام الكائنات
أما فرية “إمام الكائنات”فلا تستحق الوقوف عندها أصلًا. فأيّ إنصاف وأيّ وجدان يمكن أن يقبل مثل هذا البهتان. إنهم يدّعون هيكلا هرميا للخدمة زائفًا وهميًا، لم يخطر ببالي قط، ولم أر له مثيلًا طيلة حياتي التي قضيتها في سبيل الله والتي تناهز السبعين سنة. أيّ تلوّث هذا الذي أصاب تلك العقول، وأيّ عَفَن أصاب تلك الأرواح!؟ إنهم يضعون مخططات وهمية وكأنهم يهزؤون بعقول الآلاف بل ربما الملايين من الناس الذين ربطوا قلوبهم بهذه الخدمة المباركة.
إن أبسط معلومة إيمانية يمتلكها الإنسان تعلّمه الأدبَ مع الله . نحن نشأنا في بيئة كانت قلوب الرجال فيها ترتجف بمجرد سماع اسم “الله”
فهؤلاء الذين يتحدثون عن بنية هرمية وينسبون المناصب والمقامات لرجالات هذا العمل الطيب، إما أنهم لم يفهموا هؤلاء الأبطال أبدا، أو ينفثون افتراءاتهم بناء على أحقاد دفينة أو نوايا مغرضة لديهم. يقول الأستاذ النورسي:
“إن أساس مسلكنا ومنهجنا هو “الأخوّة”في الله، وأن العلاقات التي تربطنا هي الأخوة الـحقيقية، وليست علاقة الأب مع الابن ولا علاقة الشيخ مع الـمريد”.
نعم، إن الذين يعرفونني، يعرفون جيدًا أنني أَعتبر الطالبَ الذي أدرِّسه زميلَ مُدارسة لي دائمًا، ولم أر نفسي أستاذًا عليه قط.
المصدر: كلمات شاهدة، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2015م، ص92ــ 94.
ملاحظة: عنوان المقال، والعناوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.