هو أكثر منابع النور بركة في الوجود، وأسحر كلام وأكثره نفاذا إلى القلوب. كل أنواع الجمال الأخاذ الموجودة على سطح الأرض ظل لنوره الموجه نحو الوجود، وأكثر الأصوات والنغمات سحراً ليس إلا سلما واحدا أو نغمة واحدة من تلك الأنغام والأصوات السماوية، ونفس من أنفاس الوجود وهمسة من همساته. والتنـزه بين آياته النورانية، وكلماته المضيئة تغسل الأدران عن القلوب والآثـام عن العيون وتطهرها. إن تأمل الآفاق الزمردية البعيدة التي يفتحها، ينثر بذور الحكمة في العقول، وينقلها إلى سماوات وراء الأفق.
الشمس بالنسبة لعالمه النوراني مجرد حشرة مضيئة، والقمر مجرد أرض قفراء وسوداء وقع بعض الضوء على وجهه. هو بلمعانه الظاهري، وعمقه الداخلي، وغنى محتوياته مائدة آتية من وراء السماوات… مأدبة لا يستغني عنها أحد حتى الملائكة الكرام التي حملتها وتسلمتها من يد ليد كباقة من الورود العطرة حتى وصولها إلينا.
استقبلت الأرض وساكنوها هذه المائدة الإلهية بشاعرية عالية، وأشواق لهيفة، وبحاجة ملحة. وانقلبت أرجاء هذه الأرض العجوز بورود هذه المائدة الإلهية ورياحينها إلى ما يشبه سفوح الجنة. عندما لم يكن موجوداً كانت أرضنا هذه أرضاً يلفها الظلام. وعندما هلّ على الأرض غرقت سهولها وجبالها ووديانها بالنور الذي يشع منه إلى كل جهة، وأصبحت أرضنا كتاباً يُقرأ ويتأمل. أما حقائق الأشياء التي يشرحها ويقدمها لنا فكأنها خطاب يملأ أرواحنا ويسقيها.
وُهبت له وحده نعمةُ الإرشاد إلى طريق سعادة الدارين، فالمفتاح الذهبي للسعادة في يده هو. لو لم يقم بحل الألغاز التي تقابلنا في كل مكان وتحيرنا، لبقينا في دائرة الحيرة أمام هذه الألغاز التي لا تعد ولا تحصى، وفي دائرة التيه، ولما استطعنا الوصول إلى انسجام بين أفكارنا وبين مشاهداتنا. ولو لم يهب لنجدتنا لضعنا في تيه هذه الصحارى الشاسعة التي لا يبلغ النظر مداها.
يا أيها الروح الذي أحيا موات دنيانا بأنفاسه الطاهرة… لو لم تكن لما كانت دنيانا إلا جحيماً لا يطاق… أنت من يمثل رحمة الحق تعالى على هذه الأرض… أنت من يمسح ظلمات الإنكار والإلحاد من القلوب… لم تتعلم الإنسانية الهداية إلى الصراط المستقيم وسلوكه إلا بك… تعلمت الإنسانية هذا فتخلصت من الفوضى، ومن الضياع في الدروب.
بك خفّ ظلام البشرية…
بك تنوَّر الوجود…
أيقاس بنورك البدر؟
يا نور الهداية!
أنت شمس ليلة القدر…
(الشاعر إسماعيل صفاء)
تكلم الآن واهدر بصوتك! لكي تحيا القلوب الضائعة والمتلهفة لكلامك. تكلم لكي يصل الشهد والعسل إلى الشفاه وإلى الأفواه. ولكي يتفتح الأترج النضر في القلوب كأولى ثمرات نضجه.
ولكن أنظر ماذا جرى لهذا البلد الذي تشرف بنـزولك عليه شرفاً لا يدانى، والذي انقلب بك إلى جنات عدن… لقد تعرض لهجوم الأشواك وأشجار الزقوم. أما نورك الذي كان ينير أرجاءه فقد رحل إلى ما وراء البحار… لا ندري لماذا… ألكي نتعذب ونمتحن؟
تعال أيها النور!.. تعال!.. لقد آن أوان انتهاء أحزاننا وآلامنا، فتعال!.. فقد طال فراقك وطـال غروبك عنا… نحن لم ننسك أبداً… في هذا البلد الذي أقفرت أرضه وأظلمت سماؤه لا تـزال هناك معابد يؤمها الفقراء والمساكين… لا يـزال عبيرك يملأ أجواء هذه المعابد… ولا تزال القلوب تستضيء بنور مشاعلك.
أيها النور الـذي نـزل في مكة وفاض في المدينة المنورة… ليس من شأنك الاحتجاب، فلتفصح عن وجهك النوراني… انـزع النقاب لكي تـرى العيون -التي حاصرتها مشـاهد القبح- جمالك… ولكي نطوف ملهوفين حول شموعك مرة أخرى.
أيها الخطاب الأزلي…
أيها النازل من العرش…
أيتها النفحة الإلهية…
لقد نورت بنـزولك قلب محمد…
(الشاعر إسماعيل صفاء)
اِنـزل أيها الخطاب الأزلي الإلهي… انـزل وكأنك نازل من العرش… انـزل لكي تستفيق القلوب وتتفتح عيونها على العالم الأحمدي النوراني مرة أخرى. أيها النور الذي تجليت في قلب فخر الكائنات، أيها الكتاب الذي كنت مرآة لوجهه الحقيقي الـذي تخجل منه الشموس… اهتف بأرجاء الأرض… اهتف لكي يتردد صوتك في الخافقين… ولكي تمتلئ السماوات بأنفاسك… اهتف لكي يصمت الخطباء المزيفون، ولكي تخرس الألسن الزائفة.
مرت أعوام طوال عجاف والإنسانية تستمع إلى أوهام وضلالات حتى لم تعد تفهم الحقيقة ولا تدرك الصواب. ولطول سيرها في الظلام أصبحت خليلة للخفافيش وعقدت صداقة معها. فمتى تحل عقال لسانك لتسمع أرواحنا الشلالات الهادرة بجواهر كلامك… دع أنوارك تنهمر على دنيانا لتتخلص الإنسانية من الظلام الذي تعيش فيه منذ قرون وعصور. انفخ في صورك -كنفخ إسرافيل في الصور- واملأ أرجاء الدنيا بهدير صوتك… افعل هذا لكي يستيقظ الغافلون من نومهم، ويرجع أصحاب الأرواح الأنانية إلى صوابهم، ولكي يرتعب الذين تعودوا على الترف وعلى الكسل، ولكي تنفض الأرواح الخبيثة التي تسللت إلى كل مكان، واحتلت كل موضع.
انهمر علينا كالمطر وكالغيث، فقد جفت نفوسـنا وشـفاهنا، وبلغت القلوب الحناجر. هبّ علينا كريح الصبـا حاملا إلينا عطر العرش، فقد تكدرت الأرواح من روائح المعصية حتى كادت تتقيأ.
اركبْ على متن الصواعق وأرسـلْ دويّك إلى أرجاء الأرض لكي تهرب الحشرات التي استولت على الأرض وتدخل إلى جحورها.
كيف سـتكون حالنا إن لم تهطل كالغيث، ولم تهدر كالصاعقة، ولم تسحق سحق الصاعقة؟ وكيف ستكون حال الإنسانية؟ وكيف تستفيق هذه الأمة وتنهض؟ وكيف تخطو المدارس إلى الأمام؟ وكيف تتنور المعابد؟ وأين سيجد القلب والروح والعقل ضالتهم؟ وأي شيء يستطيع أن يكون بَلْسَماً لهذه الأرواح البائسة والقلوب المكلومة وشفاء لها؟ وكيف تستطيع هذه الأرواح المشلولة أن تبسط أجنحتها وتطير؟ وكيف يستطيع العقل فتح الطرق المسدودة أمامه فيرشد الفكر إلى طريق الأبدية؟
العالم الذي لا توجد أنت فيه عالم قُصّت فيه أجنحة الإرادة. وضربت الفوضى اطنابها في عالم الأحاسيس، وتحولت فيه العواطف البشرية إلى مستنقع. أما الموازين العقلية فدون ضوابط، والمنطق مهرج والعلم حماقة. في مثل هذا العالم يكون من العبث البحث عن قيم إنسانية وينخدع كل من يركن إلى هذا البحث.
تعال!.. تعال!.. أرسل نفحة عطر من أنفاسك، وشتت جميع مقالب الشيطان وألاعيبه، ودُلّنا على طريق التوبة التي تم إرشاد آدم u إليها.
القرآن – 2
هناك العديد من المفكرين المعاصرين الذيـن يرون بـأن العصر القادم سيكون عصر القرآن. والحقيقة أننا إن دققنا قليلاً لرأينا أن عصرنا الحالي بدأ يتجه للقرآن بسرعة أكبر مما كنا نتوقع أو نتصور.
أجل… حتى أصحاب أكثر النظرات بلادة وسطحية يستطيعون حدس كيف أن القرآن مرتبط بالكون ومتداخل معه، وكيف أن جميع بياناته حول الوجود صائبة، فلا يملكون أنفسهم من الإعجاب بقوة تأثيرها ونورانية عالمها.
والذين يعملون في ساحة العلم والعرفان والحكمة يطالعون هذا الكتاب العظيم بكل رغبة ولذة ويشهدون بأنه يشرح أسرار الوجود والأمور الدقيقة الموجودة في روح الطبيعة ويضعها أمام أنظارهم.
إن القرآن هو الذي يتناول كل جزء من أجزاء الوجود بعمق، فيوضحها ويشرح غاياتها ومحتوياتها وأسسها بشكل لا مجال فيه لأي تردد أو شبهة.
يتناول القرآن المعجز البيـان أيضاً الحياة القلبية والروحيـة والفكرية للإنسان وينظمها ويريه أسمى الغايات والأهداف، ثم يأخذ بيده ليوصله إلى هذه الأهداف، ويوصيه بالتعامل معها بكل لطف ورحمة وشفقة وعدالة، ويضع بينه وبين السيئات والشرور عقبات وموانع لا يمكن تخطيها.
القرآن هو البيان الإلهي الذي يقيم النعم الإلهية المعطاة للإنسان كالصحة والعافية والقابلية والقوة أفضل تقييم، ويشير إلى أفضل الطرق للاسـتفادة المثلى من هذه المواهب والهبات، وينقذ الناس دون أن يشكل بعضهم لبعض مشكلة أو عبئاً.
إنه كتاب ومنبع للضوء بحيث يقدح في أرواحِ مَنْ عشقه واتبعه فكرة الحرية ومفهوم العدالة وروح الأخوة والرغبة في مساعدة الآخرين ومعاونتهم والعيش من أجلهم، بحيث يكاد يجعل من هؤلاء -المخلوقين من دم ولحم- شبه ملائكة يسعون في الأرض، ويريهم الطريـق المؤدي بهم إلى سـعادة الدارين، ويفتح أبواب هذه السعادة على مصاريعها أمامهم.
إنه كتاب إرشاد يسير أمام الذين فتحوا أعينهم على الحقيقة بهدايته، ويأخذ بأيديهم ليسيح بهم وراء الآفاق ووراء هذا العالم. ويجول بالقلوب المشبعة بالاطمئنان في أجواء المهابة، ويسكر الأرواح المفكرة بالإعجاب والدهشة والذهول ويثملها، وينفح في الضمائر الطاهرة نفحات الخير في كل آن.
هو بيان باهر إلى درجة أنه يعد هذا الإنسان -الذي أرسـل إلى الدنيا بأسمى روح وفي أحسن تقويم- بأفضل صورة من صور السـعادة والهناء، وبأفضل شكل من أشكال السمو والعلو والرقي، وأكثر أنماط الحياة إنسانية بأقوم الطرق للوصول إلى ذروة “الإنسان الكامل”.
ألم يكن هذا الكتاب المجيد هو الذي نظم حقوق الفرد وحقوق الجماعة، ونظم العلاقة بينهما من ناحية التعامل والسـلوك والوظائف والمسؤولية؟ ألم يعين المفاهيم الصحيحة لحقائق الحرية والعدالة والمساواة وحققها بخطوة واحدة بينما كان العالم أجمع يسبح في دياجير الظلام والغفلة والضلالة؟ ألم يحقق أفضل صراع ضد الظلم والطغيان؟ ألم يدعو إلى رحمة وشفقة إنسانية، بل إلى رحمة وشفقة تشمل جميع الأحياء؟ ألم يضع للحرب وللصلح مقاييس إنسانية فجعل أتباعه دعاة وممثلي الأمن والاطمئنان فوق الأرض ورموز التوازن فيها؟
يا لـه من كتاب نوراني يذكّر الإنسان بعجزه وفقره من جهة، فيكسر حدة غروره وأنانيته، ويشـعل فيه من جهة أخرى أشواقه، ويدعوه لأن يشرع أشرعته للرحيل إلى ما وراء هذا الأفق.
يا لـه من مجموعة نفحات ربانية يؤمِّن كل أمر فيـه آلاف الفوائد، ويذكرنا في كل نهي بأضرار لا تخطر على البال، ويأخذ بيدنا إلى سفوح الأمن والأمان. وفي اللحظة التي يثير قلوبنا برسـائل العدالة والاحسان والأمانة ويرينا آفاق الجنة… في اللحظة نفسها تتوالى تحذيراته عن المنكرات والخلق السيء أو الاعتداء على أموال وأعراض وأرواح وحقوق الآخرين. وتتكرر دعوته لنا للالتجاء إلى حماية الله وصيانته.
إنه كتاب يؤمن بسمو درجات جميع الأنبياء والمرسلين السابقين وبجميع الكتب والصحف المنـزلة عليهم ويعتبرها كتباً وصحفاً مباركة. وعظم منـزلة التوراة والإنجيل والزبـور خاصة، وعدّها كتبا مباركة، مع القيام بالحل والفصل في الأمور المختلف فيها، وتصحيح ما حرف فيها، والإيمان بما حفظ منها ولم يمس بتغيير. أي أنه عثر على الكتب القديمة المفقودة بوجه من الوجوه وأظهرها، وذكر أنبياءها بكل احترام وتوقير، ولا سيما النبي موسى u والنبي عيسى u حيث اعتبرهما ضمن “الانبياء من ذوي العزم”. وبذلك برهن أنه كتاب ينطق بالحق. ثم ذكر بأن والدتي هذين النبيين العظيمين كانتا مظهراً للإلهام، أي كانتا تملكان قلباً وروحاً متميزين عن سواد الناس، وبذلك أثبت لجميع أصحاب القلوب السليمة أنـه نـزل لإحقاق الحق ووضع كل شيء في نصابه.
إنه الكتاب الذي أنقذ الانسان من جميع أنواع الانحرافات، وأرشده إلى طريق الفضيلة، ووعد الذين ينفذون أوامر الله تعالى بجنان فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر ببال بشر. وتَوعّد الذين يخالفون أوامره بيوم تهلع فيه القلوب، وتزيغ فيه الابصار، وتبلغ فيه القلوب الحناجر، فوضع بذلك توازنات مدهشة احتارت لها العقول.
لقد نـال هذا الكتاب شـرف البقاء نقياً ومصاناً عن التحريف وعن التبديل من بين جميع الكتب منذ تشريفه الدنيا، ومحافظاً على الوحي كما أنـزل على الرغم من اعتداءات المفكرين والملحدين المساكين، الذين لا يعرفون شيئاً سوى العداوة والكراهية وبذل المحاولات لتغييره وتبديله، وعلى الرغم من الاصدقاء المغفلين الذين لا يعطون للصداقة حقها.
عندما نـزل القرآن كأفضل جوهرة من جواهر اللوح المحفوظ، نـزل بمنـزلة وبشرف لا يُدانى. وهو اليوم محافظ على هذه المنـزلة الرفيعة كما هي، بل ربما أكثر… أما في السنوات القادمة فسيكون هو الكتاب الذي تتنافس الشموس لكي تزين تاجه.
عندما ظهر القرآن المبين واحتضن الشرق والغرب والشمال والجنوب، وضمهم إلى حضنه بيديه النورانيتين، صحب معه العلوم إلى كل الديار التي احتضنها، وحول أرجاء الأرض إلى ما يشبه سفوح الجنة. والذين تمسكوا بـه آنذاك، وحملوا رسالته النورانية ومثلوه بصدق، كانوا هداة البشرية والمرشدين إلى “الحضارة القرانية”. لقد كان هؤلاء المرشدون من مستوى رفيع، بحيث إن الذين يدّعون اليوم أنهم معلمو الإنسانية لا يستحقون -لو كانوا في زمان هؤلاء المرشدين- إلا أن يكونوا تلاميذ لهم يتعلمون منهم.
لقد جاء القرآن المجيد برسائل نورانية أزلية وأبدية، وربَّى إلى جانب أبداننا وأجسامنا قلوبنا وأرواحنا وعقولنا وضمائرنا، وهيأنا لنكون إنسان المستقبل بعد أن أرانا الذرى الموجودة وراء الشواهق المادية والمعنوية. ولا شك أن كل أمة أو دولة تملك عقلا ووعيا سترى فيه في المستقبل منبعاً ثراً يجب الارتشاف منه مراراً، وهذا خلافا لرأي بعض من ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة.
ولو تصرف مسلمو اليوم في موضوع القرآن بصفاء المسلمين الأوائل -علما أن هناك حركة ملحوظة في هذا الاتجاه حاليا- لاحتلوا مكانة مرموقة في التوازن الدولي الحالي في وقت قصير، ولتخلصوا من تقليد الآخريـن والسير وراءهم، ولما وجدوا السلوان في وديان التقليد الأعمى.
إن قيام الطلاب الأوائل للقرآن بتلك الحملة الإيمانية والأخلاقية التي أدهشت العالم آنذاك يجب أن يدفع إنساننا المعاصر إلى تنـاول تلك الحملة بالدراسة والتدقيق بكل حرص. أجل!.. إن ظاهرة قيام بضعة آلاف من الصحابة -بعد ظهور الإسلام بين جبال مكة الوعرة- بحملة وبانقلاب كبير أضاءوا بـه أرجاء الأرض حادثة متميزة وخارقة للعادة يجب تدقيقها وتقييمها، وهو منبع ثرّ غنيّ يرجع له المؤمنون على الدوام.
لذا نستطيع أن نقول بأن القرآن كما لم يقم بالأمس بخداع الذين آمنوا به واتبعوه ولم يحيرهم كذلك لن يخدع الذين سيتوجهون إلى جوه النوراني ويؤمنون به بعد اليوم، ولن يخيب آمالهم. لأننا نؤمن بأن العقول عندما تضاء بنور العلوم، والقلوب بمعرفة الحق، وعندما يوضع الوجود تحت عدسة العلم والحكمة للتدقيق والدراسة، سيكون كل حكم صادر باسم العلم موافقاً لروح القرآن ومتلائماً معه.
أجل… لقد كان القرآن في كل عهد وعصر كتاباً يدعو الناس إلى العلم وإلى البحث العلمي وإلى التأمل وإلى النظام في التفكير وإلى قراءة كتاب الكون وفهم أسرار الوجود، واختار طلابه الحقيقيين من بين المفكرين والمتأملين. وهذه بعض القطرات من ذلك العباب الزاخر:
1-﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ اْلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الروم: 50).
2-﴿قُلْ انْظُرُوا مَاذَا في السَّموَاتِ وَاْلأَرْضِ ومَا تُغْنِي اْلآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ (يونس: 101).
3-﴿إنَّ فِي خَلْقِ السَّموَاتِ وَاْلأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْـزلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِـهِ اْلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّـمَاءِ وَاْلأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 164).
4-﴿أَوَلَمْ يَنْظُروُا في مَلَكُوتِ السَّموَاتِ واْلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾(الأعراف: 185).
5-﴿أفَلَمْ يَنْظُروا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاها وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ (ق: 6).
6-﴿وَفِي اْلأَرْضِ آيـاتٌ لِلْمُوقِنِينَ % وَفِي أَنْفُسِـكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ (الذاريات: 20-21).
7-﴿قُلْ سِيرُوا فِي اْلأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ بَدأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ اْلآخِرَةَ إنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت: 20)
8-﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَاْلأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ (يوسف: 105).
بمثل هذه الآيات دعا القرآن الانسان لكي يتفكر في الخوارق التي يزخر بها الكون وليدقق المعاني الخفية للوجود، لمشاهدة آيات الجمال المنبثة حوالينا، وسماع الأصوات الآتية من جميع الأرجاء… أيْ يقوم برفع روحه إلى الذروة بالتأمل والتفكير.
9-﴿سَـنُريهِمْ آياتِنَا في اْلآفَاقِ وَفِي أنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّن لَهُمْ أنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصلت: 53).
يقول الحق تبارك وتعالى في هذه الآية بأنه سيري آياته في النظم الدقيقة في الأنفس وفي الآفاق، والتناغم والعظمة البادية فيها والتي لا يملّ الإنسان من النظر إليها ومشاهدة جمالها.
10-﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَواتِ وَاْلأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ علَى جَمْعِهِمْ اِذَا شَاءَ قَدِيرٌ﴾ (الشورى: 29).
11-﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ اْلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ اْلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يس: 36).
12-﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ (النمل 88).
13-﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ % وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ (يس: 38-39).
14-﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ (الذاريات: 47).
15-﴿اَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِاْلأبْصَارِ﴾ (النور: 43).
هذه الآيات وغيرها من الآيات ذات البيان الساحر الأخاذ تومئ وتشير إلى العديد من الاكتشافات العلمية التي شكلت أساساً لخوارق هذه المدنية، بـل حتى إلى بعض الأمور التي لم نفهمها تماماً بعدُ، وتدعو أهل الفكر والإنصاف إلى الانتباه والتأمل.