لا يقتصر وجود المشاكل في موضوع ظهور الكائن الحي للوجود، بل إن موضوع تغذيته كذلك يحف به الكثير من المشاكل. إذ يجب على الكائن الحي تناول الغذاء لكي ينمو، ولكي يركب مواداً جديدة ضرورية، ليستطيع الاستمرار في البقاء حياً. وحسب ادّعاء التطور فإن الكائن الذي ظهر عن طريق التطور يضطر للتغذي على طريقة تغذي الاميبيا لكونه لا يملك بعد جهاز هضم ولا جهاز تنفس. ولكن حتى هذا مستحيل لسببين: الأوّل هو كثافة المحيط حواليه أي كثافة البيئة، أي يجب تعيير وضبط التوازن بين كثافة السائل الذي يوجد فيه الكائن الحي، وبين كثافة السائل الموجود داخل خلية الكائن الحي. وهذه مشكلة مهمة ودقيقة.
نحن نعلم أن الجزيئات المذابة تسيل نحو الجهة التي تكون أكثر سيالية، ولا تستطيع التوجّه نحو جهة ذات كثافة أكثر. وبالمقابل تسيل الأشياء الموجودة في الوسط الكثيف نحو الوسط الأكثر سيولة. وهذه قاعدة عامة، لذا فإن كان الجو المحيط بسلسلة البروتينات (الموجودة والمتهيأة لكي تنقلب إلى خلية حية) جواً سائلاً وقليل الكثافة فلا يمكن أن ينتقل أي شيء من هذا الجو إلى داخل الكائن الحي، بل تخرج المواد الغذائية الموجودة داخل هذا الكائن إلى الخارج، لذا سرعان ما يهلك هذا الكائن الذي كان مرشحاً للحياة. وإن كان الجو المحيط بهذا الكائن كثيفاً انسابت المواد منه إلى داخل هذا الكائن، فلا يبقى أمام هذا الكائن أي فرصة للتطور لأنه سينتفخ حالاً. فإن كانت سيولة المحيط بنفس سيولة وبنفس كثافة المواد داخل هذا الكائن انقطع التبادل الغذائي بين هذا الكائن وبين محيطه، فلا يتحقق الامتصاص، فانسدت أمامه أبواب التطور.
والسبب الثاني: هو لو فرضنا وقلنا بأن هذا الكائن تشكل على الرغم من جميع هذه المستحيلات. إن هذا الكائن يحتاج -إضافة إلى ضرورة التغذي- إلى طاقة لنبذ فضلاته وطرحها خارجاً. فمن أين سيحصل هذا الكائن الذي خطا أولى خطواته في الحياة على الطاقة؟ لأنه من الضروري خلق الميدوكوندريات التي هي بمثابة محطات الطاقة في الخلية. وهذا الكائن الحي يحتاج في كل دقيقة وفي كل ثانية إلى الطاقة لا من أجل تناول الغذاء أو رمي الفضلات فقط بل من أجل استمرار في حياته. وبدون تزوده بالطاقة لا يمكنه الاستمرار في الحياة. لذا فما مبلغ صحة الادّعاء إذن بأن الكائن الحي يستطيع التزود بالطاقة من خلال حساء البروتين الموجود في قاع البحار؟
إن حسابات الاحتمالات تشير إلى استحالة انقلاب أي مركب كيميائي تحت هذه الظروف لا إلى كائن حي، بل حتى إلى سلسلة من السلاسل البروتينية. ولكن لِنَقُلْ بأن مثل هذا الكائن الحي قد تشكل وتكوّن، فهذا الكائن لا يبقى على شكله الأوّل بل يتطور. لذا كان من الضروري أن تتطور عنده أجهزة الهضم والدوران والتنفس والإفراغ (أيْ طرح الفضلات من غائط أو بول أو عرق) بشكل متناسق ومشترك. ولكي يستطيع هذا الكائن الحي الاستمرار في الحياة يجب ظهور هذه الأجهزة معاً وأن تتطور معاً، وأن تعمل بتعاون وتساند فيما بينها. وهذا يخالف ويناقض الفكرة التطورية لدى دارون، لأنها ترى استحالة ظهور مثل هذه الآلية المعقدة بشكل فجائي وفي وقت واحد.
والآن لنستعرض بعض المحالات الأخرى ونتناولها، فنفرض بأن أجهزة الهضم والدوران والإفراغ والتنفس لدى هذا الكائن الحي الأوّل قد تشكلت تلقائياً وبشكل فجائي، وأن كائناً حياً على شكل دودة قد ظهر إلى الوجود في أحد المستنقعات حسب زعم دارون. هذه الدودة ستكبر طبعاً. فماذا سيكون عمرها؟ وهل سيكفي هذا العمر لكي تتطور وتنقلب إلى نوع آخر؟ وعندما تنقلب هذه الدودة إلى نوع آخر هل ستتشكل بعدها دودة أخرى؟ أم أنه ظهرت أعداد كبيرة من الديدان في أماكن عديدة من الدنيا وانقلبت مجموعة منها فقط إلى نوع آخر؟ لنقل بأن الدودة تطورت وانقلبت إلى ضفدعة، ثم انقلبت ضمن سلسلة من التطورات إلى حيوان الكنغر، وأن هذه السلسة استمرت وتتابعت حتى ظهور الإنسان، حيث صغرت الآذان لعدم الحاجة إليها مثلاً.
وهكذا ظهرت في الحياة مختلف أنواع الكائنات الحية. حسناً… ولكن عندما تطور فرد أو بضعة أفراد داخل كل نوع لماذا لم يتطور الأفراد الآخرون؟ وهل هناك آلية لا نعلمها هي التي تقرر هذا الأمر من ناحية عمليات التطور ومدد كل مرحلة منها؟ وهل يمكن إسناد هذه العمليات وظهور هذا النظام الدقيق في الكون، والحياة على سطح الأرض ثم تطورها وتوسعها وتكاملها إلى المصادفات العشوائية، في الوقت الذي تبين قوانين الاحتمالات استحالة ظهور جزيئة بروتين واحدة تلقائياً وبعوامل المصادفات؟ وحتى لو فرضنا أن بضعة أفراد من كل نوع تطور وانقلب إلى نوع آخر، فعمر أي نوع من الأحياء يكفي لحدوث مثل هذا التطور؟ فهل كان عمر هذه الأفراد الذين تطوروا يبلغ الملايين من السنوات؟
لا يملك الداروينيون ولا العلم الإجابة على هذه الأسئلة. وكل ما يستطيعون أمام هذه الأسئلة هو قولهم: “إن هذا هو ما حدث”. ويقولون هذا باسم العلم.