السؤال: في القرآن الكريم ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾(الكهف:17) وهناك أيضاً، أن الله قد منح الإنسان العقل والتفكر وله إرادته وهداه الله السبيلين أيما شاء سلك. كيف يمكننا أن نؤلّف بين الأمرين؟
الجواب: في هذا السؤال شقان:
هل الشيء يحدث بالإرادة الكلية بما يشاؤه الله، أم أن الإنسان يستعمل إرادته؟ فالهداية الواردة في السؤال تعني: الطريق المستقيم، الرشد، الطريق الذي سلكه الأنبياء. أما الضلالة: طريق الضالّين، الضياع عن الطريق المستقيم، الانحراف عن الجادة. فإذا ما دقق النظر تبين أن كِلا الأمرين فعلٌ واحد، وأن جهته التي تعود إلى الإنسان عبارة عن أُفعولة، لوظيفة. وعلى هذا يقتضي تفويض كليهما إلى الله I، إذ كل فعل يرجع إلى الله، فلا فعل لا يرجع إليه، فالله بمقتضى اسمه “المضلّ” يخلق الضلالة وبمقتضى اسمه “الهادي” يخلق الهداية، فالذي يهدي ويضل هو الله وحده.
ولكن هذا لا يعني، أن العبد يُدفع إلى الضلالة والهداية دفعاً وكرها من قِبل الله من دون أن يكون للعبد دخل ومباشرة، فيكون ضالاً أو مهتدياً راشداً. ويمكن أن نفهم هذه المسألة باختصار كالآتي:
إن الاهتداء أو السقوط في الضلالة، ليكن فعلاً بثقل عشرة أطنان مثلاً. فإن إعطاء واحد من مائة من هذا الثقل إلى الإنسان خطأ، لأن المالك الحقيقي هو الله سبحانه فلا بد أن يُعطى الفعل إلى مالكه.
ولنوضح الأمر أكثر: إن الله سبحانه يهدي، وله وسائل للهداية. فالمجيء إلى الجامع والإنصات إلى الوعظ والتنور فكراً طرقٌ للهداية؛ والاستماع إلى القرآن الكريم والتدبر في معانيه والنفوذ في أعماقها من طرق الهداية أيضاً؛ وحضور مجلس الرسول والتتلمذ على أحاديثه الشريفة النابعة من القلب والاستماع إليها بأُذن الروح والإنصات إليه بقلب شهيد وجعل وجدانه مرآة عاكسة لما يرد منه من التجليات من طرق الهداية… فالإنسان في هذه الطرق يباشر الهداية. نعم، إن المجيء إلى الجامع مباشرةٌ جزئية، ولكن الله يجعل هذا المجيء وسيلة للهداية، فالهادي هو الله، ولكن الطارق لباب الله بلوغاً إلى هذه الهداية هو العبد بعنوان “الكسب”.
والإنسان بتردده إلى الحانات وأماكن السفاهة والأصنام يكون قد طرق باب اسم “المضلّ” وكأنه يقول “أضلّني”. والله سبحانه يضلّه إذا شاء، وإذا شاء يوجد عوائق لئلا يضله. فإذا ما أَمعنّا النظر إلى الإرادة الجزئية للإنسان نجدها صغيرة وضئيلة إلى حد لا يمكن أن توجِد الهداية ولا الضلالة.
أتريدون مثالاً؟ انظروا! عندما تستمعون إلى القرآن الكريم والوعظ والإرشاد أو تقرأون كتاباً علمياً يغرق باطنكم في النور. بينما شخص آخر بمجرد سماعه الأذان المحمديّ أو الوعظ والنصيحة بل أرقّ المناجاة القلبية، إذا به ينـزعج ويتضايق حتى يشكو من صوت الأذان.
بمعنى أن الذي يهدي ويضل هو الله، ولكن إذا ما وطئتْ قدم امرئ طريق الضلالة فإن الله سبحانه يخلق ما يخصه وهو 999.9 من العمل. كما هو الحال في لمس مفتاح الكهرباء، ثم يجعله يميل إلى الضلالة. ولرغبته هذه إما يعاقبه أو يعفو عنه.