الداعي إلى الله يتحرى بدقة الوسائل والطرق المشروعة لدى دعوته الناس وتبليغهم. إذ لا يُسلك إلى هدف مشروع إلاّ بوسيلة مشروعة، بل لا يمكن بلوغ الهدف المشروع بوسائط ووسائل غير مشروعة ألبتة. ولما كان هدفنا هو الحق ونحن أعداء الباطل، فلبلوغ هذا الهدف الحق ليس لنا أن نستعمل الباطل الذي هو عدوّنا. فبخلافه نكون قد كذّبنا أنفسنا وناقضنا جميع ما قمنا به من أعمال. وفي الحقيقة لا تقوم دعوة على الكذب، ولو قامت فلا تدوم قطعاً، فلقد رفع الله سبحانه البركة واليُمن من الأعمال التي اتخذ فيها العاملون للإسلام هذه الوسـائل. فهم يستطيعون حشد ألوف من الناس في الشـوارع والميادين ليطلقوا الخطب والهتافات، ولكن لا تبلغ بركة هذه الكثرة الظاهرة، بركة إرشاد ثلاثة أفراد دعاة لله صادقين قولاً وعملاً إلى ثلة من الناس في بيت متواضع. فالواحد من هذه الثلة يعدل ألفاً، بينما الألف من الآخرين لا يعدل الواحد.
القلوب بيد الله عزّ وجلّ. وقبول المخاطَب لما نقول له أو ما سنقول له، أي تهيئة مسببات الهدايـة بكلامنا معه، كل ذلك بيده سـبحانه وتعالى. وحيث إن غايتنا توجيه الناس إلى الطريق الحق، فلا تنفعنا التعابير الكاذبة أو الشـبيهة بالكذب كالمبالغة، بـل تضر بتحقيق غايتنا. فنحن مكلّفون ومأمورون بأداء وظيفتنا وفق ما خطّه الإسلام لنا. ولا يحق لنا بأي حال من الأحوال أن نـزلّ إلى ميادين غير مشروعة تحت اسم العمل الإسلامي. ولا سيما في أيامنا هذه التي يباع فيها الكذب مع الصدق جنباً إلى جنب في حانوت واحد. إذن فنحن مضطرون إلى أن يكون كلامنا صدقاً وأحوالنا صادقة، ونتمثل الصدق خالصاً.