سؤال: إذا كانت رحمات الله تعالى تتنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم في واقع الأمر، فما الحكمة من صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم نواةٌ لأصول الخير واليمن والبركات، هو أسوة حسنة لنا جميعًا، هو الهادي إلى الطريق القويم، هو المرشد إلى الصراط المستقيم.. مرشد لا يَضِلّ ولا يُضِلّ، هو الذي سنّ أعدل الطرق وأقومها.
أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، فسار بهم في هذا الطريق المنير، فهو حقيق بأن ينال مثل أجر كلّ مَن سار في هذا الطريق، ومقتضى القاعدة التي تقول: “إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ”[1] أن يُكتب له في سجله من الأجر مثل أجور من تبعه من أمته صلى الله عليه وسلم.
ولن يُرفَع هذا السجل بوفاة الرسول الأكرم صاحبِ المقام المحمود صلى الله عليه وسلم، بل سيحرر فيه على الدوام ما لا يُحصَى من الحسنات والصالحات، وكلما جلّ مقامه اتسعت حدود شفاعته -بمشيئة الله- لتشمل طوائفَ أكبر من أمته صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا فإنَّه لا بدّ من تناول هذه المسألة من زاويتين اثنتين:
الأولى: إننا بصلواتنا على الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم نجدّد عهدنا وميثاقنا معه صلى الله عليه وسلم ونزدلف إليه عسى أن نكون من أمته؛ أي إننا نقول له مستشفعين: “لقد تذكّرناك وذكرناك، ودعونا الله وتوسلنا إليه أن يرفع لك ذكرك”، وصلواتنا بنية رفع مقام صاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم تتسع بها دائرة شفاعته؛ فيحظى أناسٌ أكثر بهذه الشفاعة.
الثانية: ودعاء الشخص للنبيّ صلى الله عليه وسلم برفع القدر والمقام إن هو إلا وسيلة لدخول ذلك الشخص في حِماه ورعايته صلى الله عليه وسلم، فتتسع بذلك دائرة الشفاعة في حق هذا الشخص، ومن ثم فنحن أشدّ حاجةً منه صلى الله عليه وسلم للصلاة والسلام عليه، وعندما نلجأ إليه صلى الله عليه وسلم فذاك إقرار منّا بوجوده وعظمته وإعلانٌ عن صَغارنا وأننا لسنا بشيء أصلًا، فمثلنا كمثل رجلٍ جلّت دولته في عينيه، فالتجأ إليها مستجدِيًا العون، ونحن كذلك نلوذ به صلى الله عليه وسلم ونلتجئ إليه بالصلاة عليه؛ فكأننا بهذا نعرض حاجتنا وحالنا في فقر وعجزٍ وخوفٍ ووجلٍ من يوم عظيم شديد، عسى أن نكون من الناجين.
اللهم اجعلنا ممن يحظى بشفاعة صاحب الشفاعة العظمى صلى الله عليه وسلم.
وأزفّ لكم في هذا المقام بشارة جاء بها هذا الحديث: “لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا فَاسْتُجِيبَ، فَجَعَلْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ”[2].
[1] سنن الترمذي، العِلم، 14؛ مسند أحمد، 38\132 (مؤسسة الرسالة).
[2] صحيح البخاري، الدعوات، 1؛ صحيح مسلم، الإيمان، 334.