Reader Mode

سؤال: هل هناك علاقة بين “الإيدز (AIDS)” و”دابّة الأرض” التي تعدّ من علامات يوم القيامة؟

الجواب: منذ فترة حتّى الآن وهذا السؤال ما يزال يُطْرَح لأنّ مضمونَه مسألة يومية مستحدثة، وفي كل مرة أحاول أن أذكر بعض الأمور، وتقديرًا لرغبة السائل سأحاول عرض الموضوع مرةً أخرى:

معنى “دابة”: كائن حيّ يدبّ ويمشي على الأرض؛ وقد ذُكِرَ لفظ “دابة” و”دابة الأرض” في الكتاب والسنة، فمثلًا: لما ذكر الله سبحانه وتعالى الكائنات المختلفة التي تمشي وتزحف وتدبّ على الأرض قال: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (سُورَةُ النُّورِ: 24/45)؛ أي ما ذُكر هو ما تعرفونه حتى الآن، وهذا الحكمُ عامّ في الكائنات كلِّها من أصغرِها إلى أكبرِها، من الديناصورات إلى الماموث قديمًا والأفيال ووحيد القرن حديثًا؛ وهناك أشياء أخرى من أنواعٍ شتَّى لا تعلمونها ستُخلَق لاحقًا إن شاء الله، ولعلّ منها الإيدز، بل قد تُخلق كائناتٌ شتّى متنوعة حسب الجو والمناخ، وربما لا تكون كائناتٍ حيةً بل مِن نوعٍ آخر.

وجاء في القرآن عندَ ذكرِ رزق الدوابِّ: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (سُورَةُ هُودٍ: 11/6)، ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (سُورَةُ العَنْكَبوتِ: 29/60)؛ أي هناك دوابّ كثيرة ضَمِن ربُّ العزة سبحانه وتعالى رِزْقَها ورِزْقَكم وتكفَّل به، فهو وحده المربِّي المُقيت.

وعبارة “دابة الأرض” يذكرها القرآن الكريم في موضع واحد عند ذكر موت نبي الله سليمان عليه السلام: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ (سُورَةُ سَبَأٍ: 34/14).

أما الدابة محلّ البحث فذُكرت في سورة النمل، يقول ربنا جلّ وعلا: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ﴾ (سُورَةُ النَّمْلِ: 27/82)؛ والمعنى: رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف، وقمتم بوظيفة العرض (عرض أسماء الله الحسنى بوجودكم على الأرض)، وأنهى معرض الأرض وظيفته؛ وكان مرادُ الله من افتتاح هذا المعرض معرفته والتعرف عليه والتعريف به، فإذا ما قلّ عددُ العارفين بالله والمؤمنين به واطّرد ذلك يومًا بعد يومٍ حكم الله على الناس بالمحوِ والفناء؛ فأخرج دابّةً من الأرض تكلمهم بأنّ حكم الله المذكور قد تمّ، وهي دابّة تتكلم بلسان حالها أو مقالها أو بمكبر صوتٍ خاصٍّ بها، تعلن أنَّ الناس لن يؤمنوا بربهم من الآن فصاعدًا، أي ارتفع الإيمان وقلّ في الناس مَن يؤمن، فوقع للإيمان جفوة وضعف وانحسر.

وتلت هذه الآية آيات تتحدث عن يوم القيامة، وهذا يوحي بأن هذه العلامة من العلامات الكبرى للساعة.

إنّ دابَّة الأرضِ مِنْ علاماتِ الساعة العشر[1]، ولعلَّها من الآياتِ الأخيرة التي تظهر قبيل الساعة؛ وسياقُ الآية يقتضي أنَّ الإيمانَ سيرتفع من الأرض وينحسر مَدُّهُ وحركته، ويجفُّ وينفد كل ما هو من الإسلام، ولن يخلف المؤمنين مؤمنون آخرون، ولن يزداد المؤمنون بعدئذٍ يقينًا في إيمانهم؛ فربما تتقدَّمُ الفلسفة والعلوم الطبيعية، وتحرز التقنية والتكنولوجيا نجاحًا باهرًا، وتطغى رغبة جامحة في الاختراع لدى الناس من زراعة أطفال الأنابيب إلى اختراع الإنسان الآليّ، وتُوكَل إليهم إدارة العالم؛ فيطوف هؤلاء البُله في بقاع الأرض يقولون: “ها قد خَلقْنا”، ولا يقرّون بوجود الله، وهذا مفهوم من سياق الآية وسِباقها.

 وَذَكَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم هذه المسألة كما جاء في القرآن الكريم، وأشارَ إلَى ما ستضطلع به دابّة الأرض من أمور[2].

أما عن علاقة دابّة الأرض بالإيدز فأريد أن أنوِّه أولًا بأنَّ بعض إخوانِنا من ذوي نوايا حسنة يريدون تأكيد الكتاب والسنة بالبحث عن موافقة بين ما ورد فيهما وما ظهر في أيامنا من أحداث ومكتشفات.

وهذه المحاولات هدفها من جهة ما التوفيقُ بين قضايا ذُكرت في الكتاب والسنة والمسائل العلمية والتجريبية صوابًا كانت أم خطأً، وإثباتها في وجه تيارات العلوم الطبيعية والوضعية والعقلانية؛ وذلك لعرضها أمام إنسان عصر العلم والتجربة وبيانها له؛ هذا ولربما تتعرض تلك المحاولات للنقد لاحقًا لكن أرى أنّه لا ينبغي التعجل في القطع بسلبيتها تمامًا.

والحقُّ أنَّ الكلماتِ النورانيّة في الكتاب والسنة لا تفتقر إلى العلوم الطبيعية أصلًا، فالضمير الإنساني يتلقَّاها دائمًا بالقبول لِمَا انعكس عليه منها من بيانٍ ونور.

علاوة على أنه ليس لي ولا لأحد أن ينتقد مثل هذه المحاولات التي هدفها التوفيق والتأليف بين القرآن والسنة وبين العلوم الطبيعية إذا ما قام بها أصحابها لنفض الغبار عن عقولنا؛ وأمّا إن كان هدف هذه المحاولات غيرَ ذلك كحمل حقيقة القرآن والسنة على نظريات العلوم الطبيعية مثلًا، فنقول: إنها هزيلة هشَّة أضعف من أن تحمل هذه الحقائق السامية؛ إذ كيف نَثِقُ بهذه الأدلة وهي في حالتها هذه لا قطع فيها ولا ظنّ غالب؟ فمن يضمن ألا تهبّ عاصفة علمية أخرى تفنّد هذه الآراء وتبطلها؛ ثم أليس تأصيل آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بأمورٍ واهية كهذه وبناءُ تصديقنا بالقرآن والسنة على العلوم الطبيعية، أليس هذا من سوء الأدب مع حقائق نَذَرْنا أنفسنا للدفاع عنها؟!

أما الإيدز ودابة الأرض فالمسألة كما تعلمون إحدى القبائح الّتي أطلّت برأسها في هذا العصر؛ وأرى أنّ من الباطل تصوير الباطل، لا سيما مسألة مخزية مخجلة مثل الإيدز، وسأحاول الآن شرح الموضوع على نحوٍ لا يلوث العقول الصافية:

 لو صحّ أن الإيدز فرد من أفراد جنس دابّة الأرض، فلن يصحّ القول بأن الإيدز هو دابّة الأرض؛ لأن تأويل الآية به لا غير يبطل حقيقتها إذا ما تبين فساد هذا التأويل، فكم من مرض مدمّر تفشّى حتى اليوم ثم اندثر واضمحل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً”[3].

وفي رواية: “لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ”[4].

وفي حديث آخر: “تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: اَلْهَرَمُ”[5]؛ وفي رواية: “إلا السام”[6] يعني الموت، فلا ريب أن كلّ امرئ سيشيخ ويفنى، ولا دواء للهرم والموت، وكلُّ داءٍ سواهما له دواء.

كيف نجمع بين هذا وذاك؟

انتشر هذا المرض “الإيدز” في مناطق من العالم، لكن لم نسمع به كثيرًا في بلادنا والحمد لله؛ ونحن مدينون في هذا للأخلاق والمبادئ العالية التي أرساها الإسلام، وهي إن أعرضت عنها عقولنا لكن لم تتبرأ منها أرواحنا؛ ولم ينتشر الإيدز حتى الآن انتشار السل أو الطاعون قديمًا أو السرطان حديثًا؛ كان يمكن وربما يجب أن يقال عن تلك الأمراض أو عن سرطان اليوم إنه دابة الأرض؛ لكن السلّ والطاعون تلك الأمراض التي كانت مثيرة للذعر سابقًا انسحقت بالأدوية التي خلقها الله، فلم تعد تُذكر في قائمة أفراد جنس “دابة الأرض”، وها هو السرطان يستغلّ آخر حصونه، والعقبى للإيدز.

قديمًا كان الطاعون كابوسًا فظيعًا يجثم على صدور العباد، لكَ أنْ تتخيل كيف قضى هذا المرض دفعة واحدة على نحو ثلاثين ألفًا في طاعون “عَمْواس”، ما أفظعها من حادثة! ولا يُصاب بهذه النوعية من الأمراض في عصرنا سوى دول مُنيت بالإهمال؛ فلو أُوّلت الآيات والأحاديث قبل أن يُرفع الطاعون كما يؤولون اليوم لكان القول بأنّ دابة الأرض هي جرثومة الطاعون أحقّ وأجدر؛ لأنه كان منتشرًا جدًّا ومرعبًا.

وهكذا السرطان ما أكثر من أصيبوا به الآن، يقول أهل الاختصاص: لا يمكن اكتشاف الخلايا السرطانية التي تظهر على إنسان ما إلا بعد زمنٍ طويل تغدو فيه تلك الخلايا خطرًا لا يُقاوم؛ وتشير الإحصائيات العالمية اليوم إلى أنّ نسبةَ السرطان بلغت حدًّا يثير الذعر في القلوب؛ لكن يتعذر حتى الآن أن يقال إنهم اكتشفوا له دواءً، لكنهم يحاولون، وكلنا أمل أن يعثروا له على دواءٍ بفضل الله وعنايته؛ فلو أمكن تأويل دابّة الأرض بمرض فأرى أن السرطان أحد الاحتمالات الحرِيّة بالذكر في هذا الباب؛ بل إنَّنا لو قارنَّاه بالإيدز في ضوء الواقع فلن يبلغ الإيدز 1/100 منه؛ ولو بحثنا المسألة بحثًا كميًّا لوجدنا أمراضًا كثيرة واقعة تفوق الإيدز؛ وإن بحثناها من ناحية الكيفية من حيث إنه مرض ليس له دواء، فإن عُثر له على دواء ألم تتزعزع ثقة الناس في الحديث الشريف؟

وأستميحكم عذرًا لأسلط الضوء قليلًا على أحد الأحاديث:

إن بعض الناس يؤولون الآيات والأحاديث على عجل دون تدبّر مدّعين أنهم يقدمون أمورًا علمية نافعة، فنراهم يؤولون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ”[7] بأن جرثومة الجذام تشبه الأسد تمامًا، وهذا تأويل قيل على عجل؛ ولم يلحظ هؤلاء هل لهذا الأمر ضرر أو نفع على الدين إذا ما تبين بالمجهر في المستقبل أن هذه الجرثومة لا تشبه الأسد؛ فتأويلهم للحديث طُبع في أذهان الناس وكأن الحديث يقول بهذا، فإذا ما ظهر خطأ التأويل تحت المجهر فسيُنسَب هذا التأويل المنافي للواقع إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيُضرب بالحديث عُرْضَ الحائط حاشاه من ذلك.

ولذا من الضرر والخطأ أن نذكر أمورًا كهذه دون معرفة جيدة بماهية الأمر، ولا يقتصر الأمر على مثل هذه التأويلات الواهية، بل علينا -حتى عند إخضاع القضايا الإسلامية لأسلم التأويلات وأحكمها- أن لا نغفل الاحتمالات الأخرى، وأن نُفسح المجال لتأويلات بديلة يحتملها النص؛ خصوصًا في يومنا الذي تزعزعت فيه الفلسفة الوضعية المنطقية، وغدت محلَّ شكٍّ وارتياب؛ ومن أوسعِ الأفكار انتشارًا في الغرب فكرةُ تلافي الأخطاء تدريجيًّا للوصول إلى علمٍ لا خطأ فيه، عملًا بمبدأ “كل شيء فيه شيء من الخطأ”؛ وهذه الفكرة أيضًا خاضعة للنقد كبقية المناهج الفكرية الأخرى، لكنها مهمة من وجهٍ ما، إذ إنها تعبير عن زلزالٍ حَلّ بسلطان المذاهب الوضعية والعقلية.

 إذًا لما كان هذا القدر من الشك والريبة قد دخل العلوم التجريبية التي يُظنّ صحّتُها وقوتها الآن فمن الجناية على النصوص الشرعية تأويلها بنظريات لا وزنَ لها ولا قوَّة في حين ندّعي أننا نعزّز دلالتها ونقوّيها؛ وقد عالجتْ هذه المسألةَ في أيامنا كتبٌ لا ثمرةَ تُرتَجَى منها؛ أجلْ، مَا أَكْثَرَ ما كُتِبَ عن هذا في زمنٍ يسيرٍ، لكن قريبًا ستأتي أجيال تقرأ هذه الكتب، فتسخر منها وتنسب ذلك إلى عجزنا عن استيعاب هذه المسائل؛ أمّا مَن يبحث القضايا بمنظور أوسع واحتمالات شتّى ويذكر أوجهًا عدة للمسألة الواحدة، فستغدو أبحاثه متجدّدة مبتكرة وستبقى غضّة عذبة صافية نقيّة مهما طالت السنون ولو بلغت المِئِين؛ أجل، بين أيدينا آثار قديمة كُتبت على هذا المنوال لا تزال غضة طرية.

ومن الخطأ الاعتراف بصحة ما نسميه أدلة أولًا ثم ترتيب المدعَى والنتيجة عليه، والحال أنه يمكن بلوغ النتيجة بالتدلي من أعلى إلى أسفل، فنقول مثلًا: الله موجود، وهذه الأدلة شاهدة على وجوده؛ ورسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلم خاتم النبيين، وتلك الأدلة تشهد بذلك، ويشهد بتلك الحقائق أيضًا صغارُ النمل والكائنات المجهرية التي لا تُرى بالعين… وهذه النظرة غير تلك التي تبدأ بأدلة واهية ضعيفة للاستدلال على وجود مَن له مقاليد السموات والأرض.

وأرى أن أناسًا أخطؤوا تأويل مسألة الإيدز لخطئهم في وجهة النظر، ولهؤلاء المؤمنين المخلصين الأجر على اجتهادهم؛ لكن بينما نجد لاحقًا أهلَ الإجحاف من الملحدين يتذرّعون بهذه التأويلات نُلفي أبطالَ الإيمانِ والقرآنِ هؤلاء مقنعي رؤسهم حياءً وخجلًا من تأويلاتهم الفاسدة؛ ومن ثم فعلى كل مؤمن أن يتحرى الدقة في كلامه وآرائه عند حديثه عن الكتاب والسنة ومسائلهما.

لو قال إخواننا الذين يتناولون هذه المسألة بنية خالصة، ربما يكون الإيدز فردًا من أفراد جنس دابة الأرض، فعلى الرأس والعين ما دام مقصدهم ونيتهم كذلك إن شاء الله.

أجل، ربما يكون الإيدز بل والسرطان الذي ما زال يُفني ويُبيد فردًا من أفراد جنس دابّة الأرض، ويؤدي وظيفة من وظائفها؛ إلا أن هذا لا يعد سببًا كافيًا لأن نطلق على كلّ منهما دابّة الأرض؛ لأن خروج دابة الأرض أمارة على نقص إيمان الناس؛ وربما يكون سبب خروجها سوء توظيف الناس للتقنيات والعلوم الحديثة؛ فدابة الأرض بمعناها الخاص بها أمرٌ خارق للعادة، تختلف عن أي شيء حتى عن أفراد جنسها، ولها حالة خاصّة بها، ويتعذر إدراكها لغرابتها، وخروجُها دلالة على نهاية رسالة القيم الإسلامية على وجه الأرض.

كيف وإننا نقول استنادًا إلى حديث شريف أخرجه الإمام مسلم: “إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا”[8]، أي إنّ صوت الإسلام سيدوّي في أنحاء العالم كافّة، وستكنّ له الضمائر كل توقير وتبجيل؛ فلو خرجت دابة الأرض الآن لكانت ضربة قوية تُطيح بآمالنا؛ لأن دابة الأرض إذا خرجت قالت: لا إيمان ولا تصديق بعد هذا؛ ويلي ذلك سقوط وتخلف؛ وإننا على يقين بأنّ الإسلام سيرفرف بجناحيه في أرجاء العالم كلها، ويكون له وزنه في مراكز القوى العالمية؛ وسيأتي يوم يولع فيه المسلمون في أنحاء العالم كافة بالبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم ليجتمعوا به بعد فراق كحال هؤلاء الذين نراهم اليوم؛ نحن ننتظر خروج دابة الأرض لاحقًا، ففي عقيدتنا أنّها تخرج قرب قيام الساعة على الكفار؛ وأي قول غير هذا مخالف لعقيدتنا وضربة تحطّم آمالنا.

 دع ما ذُكر، إنّ هناك مخلوقات كثيرة تتصورها الأذهان ويحتمل أن تكون هي دابة الأرض؛ منها الإنسان الآلي الذي يشغل أذهان كتّاب الخيال العلمي، ويُعتقد أنّه سيتحكم في مصير الإنسانية، ويشير القرآن الكريم بقوله: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (سُورَةُ النَّحْلِ: 16/8) إلى أنّ “مَا لاَ تَعْلَمُونَ” لا يسمعونكم ولا يطيعون، وعن الرحمة لا يفقهون، ولبكائكم وأنّاتكم لا يلتفتون، ولا شيء من رحمتهم وشفقتهم بتضرعاتكم وتوسلاتكم تستجلبون.

ومثار القلق الآن أن المتخصصين في التقنيات يقولون: هذه الأشياء بعد برمجتها وضبطها وإطلاقها في الفضاء ربما تحرق الأرض وتدمّرها، وإن طُلب منها أن تكفّ أبتْ وتحولت إلى عامل فساد مطلق على وجه الأرض، تقلب كل شيء رأسًا على عقب حتى يُظنّ أنها ستصبح فردًا من جنس الدابّة.

وهذا القدر من الحديث أيضًا حكمٌ صدر سريعًا على عجل، فلا بد من الدقة والعناية؛ إذًا ما ظهر الآن من تقنيات عملاقة وميكروبات دقيقة، وما سيظهر من عجائب كالإنسان الآلي والأمراض الوبائية والكائنات الدقيقة، بل والأمراض التي لمَّا يُعرف اسمها بعد وستظهر في آخر الزمان نتيجة مجازر سترتكب يموت فيها الملايين… كل هذا قد يمثل دابةَ الأرض التي هي اللسان المبين عن موت الأرواح أوّلًا ثم الأجساد.

وأرى أن هذه النظرة إلى المسألة من شأنها أن تحفظ هيبة القرآن والسنة وقدْرَهما، وتحافظ على أبعادهما الإلهية.

وبعد، فأقول بكل صدق إن هؤلاء الإخوة المخلصين الذين تحدثت عنهم آنفًا ولم أوفّهم حقهم يخطئون في مسألة تتطلب شروطًا كثيرة الإخلاصُ شرطٌ واحد منها فحسب؛ فالإخلاص شيء، وتوقير الكتاب والسنة والولاء لجوهرهما شيء آخر.

[1] صحيح مسلم، الفتن، 40.

[2] انظر: سنن الترمذي، تفسير القرآن، سورة النمل؛ مسند أبي داود الطيالسي، 2/395.

[3] صحيح البخاري، الطب، 1.

[4] صحيح مسلم، السلام، 69.

[5] سنن أبي داوود، الطب، 1؛ سنن الترمذي، الطب، 2.

[6] السنن الكبرى للنسائي، 7/82.

[7] صحيح البخاري، الطب، 19.

[8] صحيح مسلم، الفتن، 19.

فهرس الكتاب

 

About The Author

عالِم ومفكِّر تركي ولد سنة 1938، ومَارَسَ الخطابة والتأليف والوعظ طِيلة مراحل حياته، له أَزْيَدُ من 70 كتابا تُرْجِمَتْ إلى 40 لغة من لغات العالم. وقد تَمَيَّزَ منذ شبابه المبكر بقدرته الفائقة على التأثير في مستمعيه، فدعاهم إلى تعليم الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب، وَبَذْلِ كلِّ ما يستطيعون في سبيل ذلك.

Related Posts