إذا أردنا للمشاعر الروحية والعواطف الجياشة أن تبقى متقدة في قلوبنا لا يصيبها الشحوب، وأردنا لعشق السعي وحماس العمل أن يظلا فياضين في عروقنا، فعلينا بتفعيل “آلية التفكر” وتعميق عملية التدبر. كلمة “التفكُّر” من صيغة “تفعّل”، وذلك يعني التكلّف ومزيدا من الجهد في العمل، ومن ثم إذا أراد المرء أن يتطبع بخاصية “التفكُّر” فعليه بالممارسة المتواصلة في التأمل والإلحاح على النظر في الأمور من وجوهها المختلفة، والمثابرة على إجهاد المخ في التدبر حتى الصداع. بذلك يصير التفكر جزءا من طبيعة الإنسان وسجية من سجاياه. التفكُّر ليس تلك العلاقة السطحية التي يقيمها المرء بينه وبين ما يراه أو يسمعه. التفكر أن يقلّب الإنسانُ الأمورَ من زاوية البداية وزاوية النهاية معا، ويغوص في الأعماق يكتشف تراكيب جديدة، ويحرك العقل كالمكوك بين الأسباب ونتائجها، ويصهر المعاني التي توصل إليها في بوتقة روحه، ويدمجها في الوقت ذاته بمشاعره الجياشة، ويصفّيها بمصافي المقاصد الشرعية الكبرى، حتى تخرج غضة طرية نقية من أي شائبة. أجل، الوصول أفق عال من العشق والشوق يقتضي تفعيل آلية التفكر، والحفاظ على ذلك الأفق يتطلب –كذلك- تفعيل آلية التفكر، والمواظبة على ذلك دون انقطاع.