لقد اختص الله الأنبياء بصفات الأتمية والأكملية، لأن دينا أكملَ وأتمَّ لا يمكن أن يحمله إلا عظماء تشبّعوا بصفات الأتمية والأكملية. إن أمانة الدين الأتم ثقيلة لا تطيقها كواهل هزيلة. وإذا أراد السالكون في درب الأنبياء أن يكونوا أهلا لحمل أمانة الدين الأتم الأكمل، فعليهم أن يكونوا كالأنبياء يتأسوا بهم؛ عليهم أن يضرعوا إلى الله كي يمنحهم أخلاق الأنبياء، أن يطلبوا همة كهمة الأنبياء، عزيمة كعزيمة الأنبياء، ربانية كربانية الأنبياء، حكمة كحكمة الأنبياء، سعيا كسعي الأنبياء، شوقا كشوق الأنبياء، أي أن يتطلعوا إلى الأتمية والأكملية بإلحاح في تمثّل معاني الإيمان والإسلام والإحسان.
أجل، لا يجوز للإنسان أن يطلب النبوة من الله، فالنبوة انتهت مع النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، لكن يجوز أن يطلب التخلقَ بأخلاق الأنبياء، يمكنه أن يقول: اللهم نمِّ مواهبنا، نمّها أكثر فأكثر، لا حدود لعطائك، تكرم علينا بقابليات لا نهاية لها، وسِّع من قابلياتنا على الدوام، ووفِّقْنا إلى تسخيرها في خدمة دينك ورسالة أنبيائك”. بالتأكيد إن قاماتنا لا ترقى إلى أن تكون “ظلا” لتلك القامات السامقة والمقامات السنية التي أحرزوها، ناهيك عن أن تقترب من “أصلها”، مع ذلك على المؤمن أن يكون عالي الهمة مثلهم، يصوِّب نظره إلى الذرى –مثلهم- في علاقته مع الله، ينشد الغايات العلا بصدق وإلحاح حتى يستطيع أن يؤدي الأمانة حقها.