Reader Mode

نحن الذين تعلقت قلوبنا بـ “الخدمة”، لم نكن يوما ما على نفس الخط مع أية حركة سياسية، لا مع حزب العدالة والتنمية ولا مع سائر الأحزاب التي سبقته.

أربكان والخدمة

ففي سبعينيات القرن الماضي تقدَّمتْ إليَّ بعض الجهات (نجم الدين أربكان) بمقترحات للانخراط في العمل السياسي، ولكني لم أستجب لأي منها، لأنني -بحسب وجهة نظري- أرى أن العمل السياسي والتنافس على السلطة منهج غير مناسبٍ لتحقيق الغايات الكبرى التي تتوخاها الخدمة، المتمثلةِ في محاربة ثلاثة أعداء عالميين، هم الفقر والجهل والصراع بمختلف أشكاله، عن طريق التربية والتعليم ودعم الأنشطة الاقتصادية والإغاثية والتركيز على برامج الحوار في كل مكان من العالم، على النحو الذي وضحناه آنفا.

دعم لتوسيع الحريات

إن غاية ما قمنا به هو تشجيع السياسات الواعدة بسلامة البلاد ورخاء مستقبلِها.. ففي سنوات حكم حزب العدالة والتنمية الأولى كانت سياساته تهدف إلى تنمية البلاد، وإعطاء الأولوية لقيم من أمثال الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان واحترام الآخرين وسيادة القانون، ونحن بدورنا اقتنعنا بذلك وأيدناه.. لكن البعض قرأ موقفنا هذا وكأننا نؤيد الحزب على الإطلاق، إضافة إلى أنني لم أدع في أي فترة من الفترات إلى تأييد أي حزب من الأحزاب ولم أُملِ على أحد التصويت لحزب بعينه، لأنني أعتبر تصرفا كهذا تعديا على حريات الآخرين وعدم تقدير لذكائهم واستهانة بإرادتهم المستقلة.

لم نكن يوما على نفس الخط مع أية حركة سياسية، لا مع حزب العدالة والتنمية ولا مع سائر الأحزاب التي سبقته.

والمرة الوحيدة التي دعوت فيها الناخبين إلى التصويت بالموافقة كانت بمناسبة الاستفتاء العام على حزمة التعديلات الدستورية في العام 2010 والتي كانت تهدف إلى توسيع نطاق الحقوق والحريات الديمقراطية.

ولعل هذا هو ما جعل بعض الناس يعدوننا من داعمي حزب العدالة والتنمية. إن كل ما فعلناه هو تبني القيم العالمية التي كان الحزب أيضا يدافع عنها آنذاك.. ولكن تبين لاحقا أنه لم يكن مخلصا في نواياه، فصرنا مثل الآخرين ضحايا حسن ظننا، حيث تعلقنا بالظاهر وتم خداعنا، ومن الممكن أن يتعرض المؤمن للخداع لكنه لا يمكن أن يكون أبدا مخادعا.

هل تلقت الخدمة دعما؟

أما فيما يتعلق بدعم حزب العدالة والتنمية للخدمة، فالسلطة ليست مقام منة وتفضل، بل هي وسيلة للقيام على خدمة الناس ورعاية شئونهم، ومن مسؤليات كل حاكم أن يلبي مطالب مواطنيه بقدر الإمكان بشرط ألا تكون مخالفة للقوانين وألا تُخِلّ بمبدأ المساواة بين المواطنين. ولم يصدر من رجال الخدمة يوما ما مطالب أو خدمات تخالف هذه المبادئ الرئيسية. ومن ثم فلم تحصل الخدمة على أي امتيازات أو استثناءات، بل لم تقبل بذلك أصلا.

لم يطلب رجال “الخدمة” يوما امتيازات من الحكومة تخالف مبدأ المساواة. لم يحصلوا على أي امتيازات أو استثناءات، بل لم يقبلوا بذلك أصلا

ولعل هذا هو الذي زاد وتيرة الحنق والغيظ على أبناء الخدمة إذ لم يستطيعوا أن يكمموا أفواههم بأي امتيازات أو استثناءات كما فعلوا مع آخرين.

الحزب بما يمارسه الآن من أفعال يسعى جاهدا لإثبات أنه لم يكن بالأمس أيضا بجانب الخدمة.. نحن نعتبر أن ما يحدث معنا الآن فرصة منحها الله لنا ليغربل صفوفنا، وهي سنة الله مع كل من يتصدى للنفع العام، ولنا في الأنبياء العظام وعلى رأسهم فخر الكائنات أسوة حسنة.

كما أنها فرصة أيضا ليطلع العالم على حقيقة هؤلاء المخلصين الذين تتشكل على أيديهم هذه الخدمات المنتشرة في كل مكان. فمع حجم المحنة التي يعيشونها، يقدمون أروع النماذج في التسامح والسلام وعدم الانجرار إلى ردود الأفعال ومواصلة العمل الإيجابي البناء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: مواقف في زمن المحنة، حوارات إعلامية مع فتح الله كولن، نوزاد صواش-صابر المشرفي، ص: ٨٩-٩١ دار النيل للطباعة والنشر، ٢٠١٧، الطبعة الأولى، القاهرة

ملاحظة: عنوان المقال من تصرف المحرر.