Reader Mode

سؤال: يُذكر أن بديعَ الزمان النُّورسي أشار ذاتَ مرّةٍ إلى جزيرةٍ في بحيرة “وَانْ” قائلًا: “لو أعطوني هذه الجزيرة لأتّخذتُ عليها أحد عشر طالبًا أستطيع أن أتحدّى بهم العالم بأسره”، فهل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحًا فكيف هذا؟

الجواب: كثيرةٌ هي الأقوال التي تُسْنَدُ إلى العلماء العظام، وإذا ما أردنا الوقوفَ على السليمِ منها فيجبُ علينا إخضاعُها لبعض المعايير، والتي يأتي في مقدمتها الاطّلاع على مؤلّفات هذا العالِـم الذي نُسِبَتْ له هذه الأقوال، فإنْ صودفت هذه الأقوال في كُتُبِهِ ومُؤَلَّفاتِهِ فمقبولة، وإلا فلا أستطيع أن أقول بِرَدّها؛ حيث إنه لا بد من تحرّي الدقّة كثيرًا في كلامنا، ووفقًا لهذا فمن الـمُحتمَل أن يكون الأستاذ بديع الزمان قد ذكر مثل هذا القول، وإن ذكره فلا ريب أنه صحيح، إلّا أنني شخصيًّا لا أتذكّر أنني صادفت هذا القول في مؤلفاته.

ومع ذلك فعلى فَرَضِ أن شخصًا مثل بديع الزمان ربّى أفرادًا في أيّ بقعةٍ من العالم فبإمكانه أن يُغيّر كل العالم، ولا جرم أنه لا بدّ من مراعاة عنصر الوقت وطبيعة العمل المطلوب القيام به.

لقد حاول سيدنا عيسى عليه السلام فتحَ أبواب العالم بأحدَ عشرَ حواريًّا ربّاهم فكسر شوكة إمبراطوريات العالم بهم، غير أن هذا الأمر لم يتوقف عند تلك الحقبة الزمنية، بل تخطّاها ودام لعدة عصور بعدها.

واستطاع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يُزلزل الأرض تحت أقدام الملوك خلال مدّةٍ زمنيّةٍ قصيرة، وبدعوةٍ باكورتُها امرأةٌ وعبد ورجل، ولم يكُ أحدٌ في البداية يتوقع مثل هذه النتيجة، وأستميحكم عذرًا أن أقول هنا الشيء نفسه متجاوزًا حدّي: من الممكن أن نكشف عن هويتنا وذاتيّنا وأن نُبَلِّغَ العالمَ رسالةَ السماء بحفنة من الأفراد، إضافة إلى ذلك لقد ظهر عيانًا بيانًا اليوم حقيقة هذه الطريقة التي سنّها لنا الأستاذ النُّورسي، وقد استطعنا أن نرى ونشاهد الآن كل هذه الأمور التي تنبَّأَ بها من قبل.

علاوةً على ذلك فإن تلويح الأستاذ النُّورسي بهذه البلدة يحمل أهميةً خاصةً؛ ولطالما كان يوحي لمن يمسكون بمقاليد السياسة في عهد الدولة العلية والمشروطية والجمهورية بإقامة جامعة في مدينة “وَانْ” رغم كل المتغيرات السياسية والإدارية الواقعة في كل فترة من فترات حياته.

كانت هذه غايةً عظيمةً وجمرةً يتلظّى بها قلبه، وقد لا يمكننا أن نستوعب تمام الحكمة من وراء ذلك، ولربما كان موقع مدينة “وَانْ” -من حيث كونها مركزًا لمنطقةٍ غنيّةٍ باللؤلؤ والألماس مثل الشرق الأوسط- هو الذي ساق هذا الإنسان العظيم إلى هذه الفِكرة.

ولربما أراد أن يلفت الأنظار إلى الوضع الخاص للشرق، فرأى ضرورة إقامة جامعة يحدِّدُ هو قواعدها الرئيسة؛ حتى يمكنها التصدي للأحداث المحتمل وقوعها في المستقبل، وظل ينادي بإلحاحٍ بإقامة جامعة “وَانْ”.

قد تكون هناك حِكَمٌ لا حصرَ لها ولا نعلمُها نحنُ، وإننا نأمل أن يتحقق هذا الأمر بالكيفية التي أرادها الأستاذ النُّورسي في المستقبل، وسيشهد الذين يدركون سعادة رؤية ذلك اليوم كيف أن كل قول أو فعل لهؤلاء العظام يُمَثِّلُ مرآةً لآلاف من الحكم دون حاجة إلى أي تأويل أو تفسير.

وإننا نتضرّع إلى من وسعت رحمته كلّ شيء أن يمنّ علينا بتحقّق هذا الأمر بعد أن تبدّت لنا أماراته.

فهرس الكتاب